بيار أبي صعبلم نكن نتصوّر أنها خجولة إلى هذا الحد. خجولة ومرهفة، وبسيطة ـــــ بالمعنى التراجيدي القديم ـــــ في أناقتها وتعبيرها. الممثّلة الفرنسيّة التي التقت أمس الإعلاميين في بيروت، تمهيداً لتقديم عرضها الليلة في إطار «مهرجانات بعلبك الدوليّة» (ميدييا ـــ فيدرا، مونولوغات)، بدت سعيدة بهذا الموعد الاستثنائي في «معبد باخوس»: «عندي إحساس أن بعلبك بإمكانها أن تحتضن فيدرا بين ذراعيها أكثر من أي مكان آخر». وحوّلت الاهتمام مراراً إلى شريكتها في العرض، الموسيقيّة الفرنسيّة وعازفة الفيولونسيل صونيا فيبر ــــ أترتون التي ستصاحبها الليلة، في هذا الطقس الاحتفالي الخاص. الممثّلة تؤدّي مونولوغات يوريبيد وجان راسين، والعازفة تؤدّي مقاطع من مؤلفات مونتيفردي وشوستاكوفيتش ودوسابان... «الموسيقى تقول الحالة، غير عابئة بالأسباب ـــــ توضح أترتون ـــــ إنّها مشرّعة على الخيال».
فاني أردان بدت أستاذة في فنّ تحويل الأسئلة البلهاء، إلى مناسبة لقول أشياء ذكيّة وممتعة (وصادقة)، عن فن الممثّل والحب والغضب والتراجيديا والمرأة الخارجة على الأعراف الاجتماعيّة... وعن كلمات خالدة ما زالت راهنة بعد آلاف السنين، ستعيد امتلاكها الليلة على طريقتها: «الكلمات كتبها آخرون، لكنني أنا التي سأتنفّسها». وأيضاً: «التراجيديا حوار مع الآلهة، حوار عمودي وتصاعدي»، لذا فإن التمثيل في الفضاء الطلق سيكون إضافةً إلى التجربة. إذا استثنينا اليونان، فهي المرّة الأولى التي تقدم فيها العمل «في أرض غريبة... وميدييا تحكي عن ذلك تحديداً». ابنة الملك ألتيس خاصمت عائلتها وقتلت أخاها من أجل عيني جازون... وها هو مغرم بابنة كريون. ماذا تفعل ميدييا في كورنثيا، هذه الأرض الغريبة، إذاً، بعدما قتلت غريمتها، وذبحت ولديها من جازون خوفاً من انتقام كريون؟ بل ماذا تفعل في أثينا حيث التجأت، وتزوّجت إيجيه بعدما تآمرت لقتل ابنه تيزيه؟
«لم أفعل في حياتي إلّا ما أحبّه ــــ تقول أردان ـــ وأنا أحب فيدرا وأحب ميدييا. أفهمهما وأتعاطف معهما، ولو أقيمت محاكمة لأيّ منهما لوقفت دفاعاً عنها». كلتاهما فضّلت الحب، وقدّمته على قيم المجتمع، أي النظام والتوازن. «ليس هناك حبّ متوازن!» تقول بطلة تروفو وألان رينيه... «ليس هناك حبّ سعيد» إذاً؟ تسألها سيّدة في الصالة. «بلى، يوجد حبّ سعيد... لكن ليس هناك حكايات مثيرة للاهتمام يمكن أن نستخلصها من مثل هذا الحبّ!». وتستشهد بجملة لبطلتها فيدرا، زوجة تيزيه التي راودت ابنه هيبوليت عن نفسه، ثم اتهمته بالاعتداء عليها: «آه من ذلك الغضب الذي تسبب بضياع الكثيرين». وتختم السيدة الخجولة، وقد تألّقت فجأةً: «من يسمع هذا الكلام أفضل منكم في لبنان؟».


«مونولوغات فيدرا وميدييا»: 7.30 من مساء اليوم ـــ معبد باخوس، مهرجانات بعلبك الدوليّة
www.baalbeck.org.lb