على الشاشة، نشاهد عشرات النساء يبكين تباعاً أمام سرد ملحمة عشق خسرو لشيرين، تلك الأسطورة الفارسية التي تعود إلى 800 سنة. نشاهدهن كما لو أنّ ملحمة عشق الأمير الفارسي للأميرة الأرمنية يعاد تجسيدها أمامهن من جديد. لا نرى إلا وجوههن وانفعالاتهن، أمام ما يشاهدن من الملحمة التي يرافقها صوت شاعر فارسي يروي حكاية شيرين، كما لو أنهن في صالة سينما. وجوه صامتة، متأثرة، غارقة بالدموع على وقع تصاعد الأحداث... كل ذلك مبني وفق الانفعالات في رصد المرأة الإيرانية وتوثيق عواطفها. هذا ما حمله الفيلم الجديد لعباس كياروستامي «شيرين» (الصورة) الذي عُرض أخيراً في «مهرجان البندقية السينمائي». وفي الفيلم، نرى بين الممثلات الإيرانيات، الفرنسية جولييت بينوش مرتديةً الحجاب ترتسم على وجهها انفعالات تصل بها إلى حدّ البكاء، بل الإجهاش في نوبة بكاء عارمة تجتاحها. مساحة تجريبية أخرى يجترحها صاحب «طعم الكرز» الذي عوّد متابعي السينما العالمية على جرعة مغايرة، منفتحة دائماً على الجديد بهدف الوصول إلى مساحات عذراء في الفن السابع. من هنا، نعود إلى بينوش التي قررت خوض تجربة فريدة مع كياروستامي. ولعل زيارتها المتكررة لإيران كانت في هذا السياق، ما كسر الحصار الذي أربك القيادات الإيرانية المحافظة، لكون الممثلة الفرنسية كانت مصدر ترحيب كبير من وسائل الإعلام الايرانية، وحضورها في الشارع الإيراني كان طاغياً ودائماً برفقة كياروستامي الشغوفة بأفلامه وتجربته. زيارات بينوش لإيران بدأت منذ سنتين، وتعاونها مع صاحب «عشرة» طبيعي، ما دامت مسيرتها السينمائية حافلة بأفلام جمعتها مع كبار السينمائيين العالميين مثل الفرنسي جاك لوك غودار والألماني مايكل هانيكي... كذلك فإن طموحها حاضر بقوة وبما يكفي لتقول: «لا أملك أشجاري، لكنني أحب حديقتي». ظهور بينوش في «شيرين» قادها إلى القراءة عن إيران والإسلام، لتكون النتيجة فيلماً يمثّل نقطة تحول في السينما الإيرانية. الشريط هو أول تعاون إيراني أوروبي مشترك منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، وتحديداً على صعيد التمثيل، على اعتبار أنّ فرنسيين وإيطاليين غير بينوش يشاركون في الشريط مثلما فعل أنطوني كوين قبل الثورة بسنة في فيلم Caravans إلى جانب ممثلين إيرانيين، وفي إنتاج هوليوودي إيراني مشترك.توقع ما سيحمله هذا الفيلم ضرب من ضروب المستحيل، ومن الأفضل تشريع الأبواب أمام كل الاحتمالات، ما دام كياروستامي مصراً دائماً على البحث عن جديد.