11 عاماً مرّت على ثورة الصحافي «الأحمر». تعيدنا ساندرا إيشيه في كتابها إلى تلك المجلة اللبنانيّة الفرنكوفونية التي مثّلت ثورةً على التقاليد الإعلامية في تلك الفترة
ليال حداد
كلّ شيء في كتاب L’ORIENT - EXPRESS: chronique d’un magazine libanais des années 1990، يوحي بالثورة. ثورة على الطبقة السياسية التي أنتجتها سنوات ما بعد الحرب. ثورة على النظام الاقتصادي الذي أرساه رفيق الحريري. والأهم ثورة على التقاليد الصحافية والإعلامية المتّبعة في تلك الفترة. إذاً، تعيدنا ساندرا إيشيه في كتابها الصادر عن «اﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻟﻠﺸﺮق اﻷدﻧﻰ» إلى منتصف التسعينيات. تحديداً إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، يوم صدر العدد الأول من المجلة اللبنانية الناطقة باللغة الفرنسية «لوريان ــــ إكسبرس». لم يكن لبنان وقتها كما هو اليوم. كان طيف الحرب لا يزال حاضراً، وخيبة اليساريين كبيرة بعد العبور إلى مرحلة ما سمّي بـ«السلم الأهلي». كما كان لبنان يحتاج إلى مجلة فرنسية لا تشبه الدوريات الموجودة في الأسواق التي تقتصر بمعظمها على الصور وأخبار المجتمع «الخفيفة».
هنا، بدأت فكرة إنشاء دورية إضافية تصدر مع جريدة «لوريان لو جور». غير أنّ حماسة المعنيين لم تكتمل ــــ تقول إيشيه ــــ إلا عندما وجد أنطوان الشويري (مسؤول «ريجي» الإعلانات في مؤسسة «النهار») في هذه الدورية مصدراً لجذب الإعلانات، وبالتالي تحقيق مكاسب مالية إضافية. كان ذلك في صيف 1994. لم يأخذ المسؤولون وقتاً كثيراً قبل المباشرة بالعمل. وكان الامتحان الأوّل، اختيار رئيس تحرير للمجلة، فوقع على سمير قصير «الأحمر».
طبعاً، لم يعجب اللون الأحمر كثيرين، أولهم أنطوان الشويري. في وقت كان هذا الأخير يسعى إلى رسم صورة وخط معينَين للمجلة، كان قصير يهمّه إنشاء مجلة نخبوية إلى حدّ معيّن، وبعيدة عن الطابع التجاري الذي اتّسمت به كل المجلات الفرنسية في لبنان.
غير أنّه، مع اقتراب موعد صدور المجلة، بدا أنّ قصير هو الفائز، فاختار فريق عمله من صحافيين مخضرمين ينتمون بمعظمهم إلى معسكر اليسار ولهم تاريخ في النضال، إلى جانب مجموعة كبيرة من الشباب الفرنكوفونيين الذين كانت أسماؤهم لا تزال مجهولة في تلك الفترة، مثل كارمن أبو جودة وميدييا عازوري وعمر بستاني ورسام الكاريكاتور الزميل مازن كرباج.
انطلق العمل، في أجواء، يصوّرها الكتاب، وأكّد عليها مجموعة صحافيين عملوا في المجلة خلال ندوة أقيمت أخيراً في بيروت عن الكتاب، مغايرة لنمط العمل السائد في وسائل الإعلام اللبنانية. منح قصير الحرية للصحافيين باختيار المواضيع التي يريدونها من دون رسم أي خطوط حمراء، ومع تحطيم كل التابوهات التي رسمها المجتمع.
لكن المشاكل ما لبثت أن واجهت المجلة. بدا أنّ المسؤولين غير راضين عن عائدات المجلة، وبدأت الضغوط تمارس على قصير وفريق العمل بهدف تغيير نمط المواد المنشورة. لم يرضخ الصحافي «الأحمر» وظلّ مصراً على ما يقدّمه حتى صدر القرار بوقف المجلة، وكان العدد الأخير في شباط (فبراير) 1998.
هكذا لم ينجح حلم قصير والصحافيين الذي رافقوه طيلة عامين ونيّف، في خلق مجلة عربية باللغة الفرنسية. مجلة عربية الانتماء والهوية بلغة صبغت في لبنان بصبغة البورجوازية والصالونات.
«قبل صدور المجلة بأشهر قليلة قلت لهم (لفريق عمل المجلة) إنّهم مجانين. مَن يريد مجلة عربية تكتب بالفرنسية؟ من يريد ثقافة جديدة وحديثة في هذا الوسط الذاهب إلى خموله طوعاًً؟ للأسف كنتُ على صواب. لكنني أعترف اليوم بأن خطأهم كان أكثر جمالاً وبهاءً من صوابي». هذا ما كتبه الياس خوري في رثائه المجلة في «ملحق النهار». ولعلّ هذا الخطأ الجميل هو الذي دفع ساندرا إيشيه إلى اختيار «لوريان ــــ إكسبرس» كموضوع لرسالة الماجستير التي تحوّلت لاحقاً إلى هذا الكتاب.