اشتهرت بـ«مونولوجيست لبنان» وعرفت جماهيريّاً باسم «باهو». من الغناء إلى التمثيل فالمسرح، عملت على كلّ الجبهات، وبرحيلها عن 83 عاماً، تطوى مسيرة فنية امتدّت على ستة عقود
باسم الحكيم
حاولنا مراراً الاتصال بها من أجل موعد نستعيد فيه ذكريات من أيام الفنّ الجميل. ودائماً، كانت آمال العريس تطلب التأجيل. كانت تقول: «لست مرتاحة صحيّاً، ربما في وقت آخر، قد أكون أفضل». مرّت الأيّام وتبخّر الموعد، وإذا بآمال العريس تنضم منذ يومين إلى قافلة الراحلين من جيل الروّاد، بعد معاناة طويلة مع المرض.
كانت الراحلة تفضّل البقاء بعيدة عن الأضواء وعيون الصحافة، وخصوصاً في الأعوام الأخيرة. ولعلّها وافقت على آخر إطلالة لها في المسلسل الكوميدي «مرتي وأنا» مع فادي شربل وكارين رزق الله، رغبةً منها بإلقاء التحية الأخيرة على جمهور غابت عنه قبل سنوات بسبب «قلة الشغل»، كي لا نقول انعدامه في الأعوام الأخيرة. فجيل الروّاد، لم يعد له مكان على الشاشة الصغيرة، ولم يعد يقوى على الوقوف على خشبة المسرح.
لا شك في أنّ ارتباط اسم آمال العريس، واسمها الأصلي أماليا جورج عوض (ابنة الصحافي جورج عوض)، بالمسرحي والسينمائي الرائد علي العريس، جعل لاسمها وقعاً مختلفاً. شاركت معه قبل زواجهما، في فيلمه الأول «كوكب أميرة الصحراء» (1946). ويسجّل لهذه الممثلة القديرة التي رحلت عن 83 عاماً، جرأتها الكبيرة في دخول مجالي الغناء والتمثيل في مطلع الأربعينيات، وتحديداً قبل بلوغها سن الرشد. ولعلّها كانت من أوائل الفنانات اللواتي خضن هذه المغامرة، وتميّزت خلال مسيرتها الفنيّة التي تمتد على ستة عقود من الزمن، بشخصية الأم الطيّبة والحنونة، تاركةً بصمة فنيّة واضحة ستظلّ بعد رحيلها. واشتهرت بلقب «مونولوجيست لبنان» في الخمسينيات، وعرفت جماهيريّاً باسم «باهو» في المسلسل الشهير «الدنيا هيك» للراحل محمد شامل الذي شاركت قبل ذلك في مسلسله «يا مدير»، علماً بأنّ العريس كانت من أوائل الفنانات اللواتي ظهرن على شاشة «تلفزيون لبنان»، حيث عملت مع حسن علاء الدين (شوشو)، قبل أن تنتقل إلى العمل مع صلاح تيزاني (أبو سليم) وأنطوان كرباج في ما كان يعرف بـ«المسرح المثقف» في الستينيات. ثم شاركت في عشرات الأعمال الدراميّة اللبنانيّة التي كانت تصوّر بين عمّان وأثينا. كما قاسمت الراحل إسماعيل ياسين بطولة مسلسله «عجيب أفندي» الذي صوّره في لبنان بمشاركة ممثلين لبنانيين. كذلك خاضت تجربة الغناء الانتقادي، وأسّست فرقة غنائية في الإذاعة اللبنانيّة.
إذاً، تنتمي العريس إلى جيل آمن بأنّ الفنّ رسالة وعشق، وليس تجارة ووسيلة لملء الجيوب. وها هي تنضمّ إلى زملائها ممّن سبقوها، بينهم ليلى كرم ومنصور الرحباني وسلوى القطريب وسواهم. وكما هي حال كبارنا الذين لا يكرّمون إلا بعد موتهم، رثى وزير الثقافة تمام سلام، آمال العريس قائلاً: «لقد ناضلت أيتها الفنانة الكبيرة في حياتك على جبهات المسرح والغناء والتمثيل بما يليق بك وبأقرانك من كبار فناني زمانك الذين زوّدوا مجتمعنا اللبناني بمادة فنية ثمينة وملوّنة على مستوى عال من البذل والعطاء». وتقبل التعازي اليوم وغداً في صالون كنيسة مار يوحنا المعمدان (مدافن مار الياس بطينا ـــــ المصيطبة، بيروت) ابتداءً من الساعة الحادية عشرة حتى السادسة مساءً.