توقع الجميع من كتاب «لقاء» أن يبرّر الحملة التشهيريّة التي طالت كونديرا بشأن تعاونه مع الاستخبارات التشيكية والوشاية بأحد الطلاب الأجانب. لكن في «لقاء»، يعود كونديرا إلى ثيماته المفضلة في تسعة فصول: التشكيل، الموسيقى، الروائيون المعاصرون (من جيله)، وروائيون صنعوا الروائي كونديرا الذي نقرأه الآن... وبعض الإشارات السياسيّة. هي تحية إذاً إلى الفنانين والروائيين: الرسام فرانسيس بايكن ومقاربة مع صموئيل بيكيت، الموسيقي ليوس جاناتشيك، الروائي أناتول فرانس، الروائي كورزيو مالابارتي وحتى المخرج الإيطالي فيلليني... والمعاصرين: خوان غويتيسولو، فيليب روث، غابريل غارثيّا ماركيز، دانيلو كيس، كارلوس فوينتس. هذه التحيّة التي تندر ملاحظتها في الأوساط الأدبية، دفعت بدار Gallimard إلى وصف العمل بأنّه «الأكثر ذاتيّةً لكاتبٍ لا يحبّ أبداً أن يتحدّث عن ذاته».

عمل ذاتيّ لكاتبٍ لا يحبّ أبداً التحدّث عن ذاته
لكنّ الكاتب لا يتردد هنا في التطرّق إلى أفكار نادراً ما يتحدّث عنها: المنفى. في الحديث عن الشيوعيّة، يصف كونديرا المنفى بأنه «تجربة تحرريّة... حتى إنها قد تكون خصبة ومثمرة»، ربما لذلك، يقول، «لم يسارع أيّ فنّانٍ كبير منفيّ للعودة إلى بلده بعد نهاية الحقبة الشيوعيّة»، وخصوصاً أن «الكاتب ليس سجين لغة واحدة». شغفه بالفنون المعاصرة سيصل إلى السرياليّة في هذا الكتاب. إذ يناقش دور الشعراء السرياليّين في نبذ روائيين معاصرين آنذاك مثل أناتول فرانس، متخذاً موقفاً ضد «اللوائح السوداء» للمدارس الفكريّة. لكنّه ناقش في الوقت عينه الشعار الذي أطلق على السرياليّة «لقاء المظلة وآلة الخياطة على طاولة العمليّات»، بهدف «مزج الحلم والواقع لتوليد شعريّة ذات طاقة كبيرة»، وتطرّق في فصل كامل إلى الصداقة بين أراغون وبروتون.
بعد «وصايا مغدورة» و«الستارة»، يخرج كونديرا عن التأمّل والبحث في الرواية الأوروبيّة إلى مناطق أخرى. فمن تأثير بروتون على المزاج الشعري لجزر المارتينيك، يقارن بين مصائر متناقضة للدول الصغيرة على طرفي العالم (الكاريبي وأوروبا). ومن ثرفانتس، يصل إلى أدب أميركا اللاتينيّة: ماركيز وفويتنس.
في خروجه هذا (عن الثقافة الأوروبيّة)، يمكن كونديرا أن يسمّي كتابه «لقاء»: بين الكتّاب أنفسهم، وبين الكاتب والقارئ عبر هذه التأملات التي ينفي عن نفسه فيها كونديرا صفة الكاتب ليبقى قارئاً مخلصاً لمن أثّروا فيه، وبين ثقافات مختلفة.
ومن مقاطع كتابه كما ترجمها شارل شهوان «إن الذي صدمني في المحاكمات الستالينية الكبرى كان الموافقة أو الرضا البارد الذي أبداه رجال الدولة الشيوعيون الكبار عند صدور أحكام إعدام أصدقائهم». ويضيف «على نقيض الوفاء السخيف لقناعة ما، فإن الوفاء لصديق هو فضيلة، ولربما هي الفضيلة الوحيدة والأخيرة».