حسين بن حمزةقلَّما تغيب خاتون سلمى عن قصائد مجموعتها الأولى «عانقتُ امرأةً تنتظر» (دار الجديد). الشاعرة اللبنانية التي كتبت وأجَّلت النشر حاضرة بقوة في اللغة والنبرة والمعنى. الشعر شأنٌ شخصي هنا، لكن القارئ يحسّ بأن أغلب ما هو شخصي وخاص منجزٌ بلغة فيها قدر واضح من العمومية. التضاد أو التقابل اللغوي المتواصل بين الخاص والعام يتدخَّل في الكتابة ويجعلها حائرة أو منقسمة بين ممارسات تقليدية وأخرى فيها سعي إلى ابتكار ما يُحسب للشاعرة نفسها. بهذا المعنى، يصير جائزاً أن نقرأ مقطعاً عادياً مثل: «أقفلُ بوابة الليل/ أنسلُ قماشَ البكاء/ دمعةً دمعة/ أمضي فيك/ ولا أصل»، وأن نقرأ مقطعاً مشغولاً بطريقة أفضل مثل: «ها أنا أسبحُ في النهر الذي شربه/ أسترجع من أفواه السمك/ قبلاتٍ غرقت معه». في الحالتين، هناك مخاطبٌ مشتهى، إلا أن النبرة مختلفة، وكذلك المعجم الذي تُستلُّ منه المفردات. الانطباع المنشطر بين نبرتين مختلفتين يظل مصاحباً للقارئ. ثمة رومنطيقية متراخية تتجول في القصائد. وهذا ما يقرِّبها من عوالم البوح والتخاطر الداخلي. ثمة مشكلة في البوح نفسه فهو يصعِّب عثور الشاعرة على مقتنياتٍ خاصة، ويسهِّل تسرُّب تراكيب شاعرية يُظنُّ أنها لا تزال مؤثرة. لنقرأ: «اعتليتُ هاوية الكلام» و«أشعلتَ القمر/ لتدفِّئ دمي»، و«امتطيتُ صهوة حضوري»... إنها سطور وعبارات مجلوبة من مستودع الشعريات

بين ممارسات تقليدية وأخرى تسعى إلى الابتكار
الجاهزة. في المقابل، نجد سطوراً واستعارات هي محصلة حنكة شعرية وخيالٍ أكثر ذكاء. لنقرأ: «لحزني أطفالٌ/ يتخاصمون في الغرفة المجاورة»، و«فزاعة تحمي قمحَ الأحباء»، و«أنا البحرُ/ والنهر يرتطم بخاصرتي». التفاوت الشعري هو أقل ما يمكن أن تُوصف به قصائد المجموعة. التفاوت صفة ملازمة لما نقرأه فيها. لعلها صفة متوافرة في أغلب البواكير الشعرية. باكورة خاتون سلمى لا تنجو من ذلك. انوجاد هذين النوعين من الممارسات اللغوية والشعرية في المجموعة كلها، وفي القصيدة الواحدة أحياناً، يحسِّسنا أن السبب عائد، ربما، إلى الظرف الخاص الذي عاشه هذا الشعر الذي انزوى لفترة وافتقر إلى الاحتكاك الطبيعي والضروري مع ما يجاوره من تجارب مجايلة أو غير مجايلة. لطالما تزامن ذكر اسم خاتون سلمى مع ابتعادها عن الشعر وتأجيلها لإعلانه والجهر به. لعل تفسير ذلك موجودٌ في مقطعٍ تقول فيه: «لخوفي مما كتبْتُهُ/ لخوفي مما لم أكتبهُ بعد».