arab electro pop في «مهرجانات بيبلوس»
قبل سنوات غنَّت على الرصيف في أسواق جبيل العتيقة. والليلة يستقبلها المهرجان نجمة عالميّة، بعدما انتقلت مع ميروايس إلى مرحلة فنيّة جديدة. الصوت الدافئ الذي يحمل بصمات المراهقة الهاربة، ينبعث إلكترونياً كأصداء ذاكرة بعيدة

بشير صفير
أربع سنوات تفصلنا عن آخر حفلاتها في لبنان مع «سوب كيلز» الفرقة التي اشتهرت من خلالها مع زيد حمدان. اليوم تعود ياسمين حمدان إلى الضوء محلياً بحلة جديدة ضمن «مهرجان بيبلوس». أصبح اسمها «ياس»، وتبدو كأنّها طوت صفحة Soapkills التي أطلقتها محلياً، ومهّدت لها الطريق إلى الشراكة العالمية مع المنتج الموسيقي الأفغاني الأصل ميروايس أحمدزاي. قبل أربع سنوات، غنَّت على الرصيف في السوق العتيق لمدينة جبيل. لكن مقامها العالمي الحالي نقلها من المستوى الشعبي إلى مكان الصدارة في المهرجان العريق، فعادت من باريس لتحلّ ضيفة على لبنان، كغيرها من الأسماء العالمية التي دعاها منظّمو «مهرجان بيبلوس» هذا الموسم. لكن الشابة صاحبة الصوت الجيِّد الذي يتضاعف حضوره وتأثيره على المستمع بفعل أداء صاحبته في الإطلالات الحيّة، تجد نفسها ـــــ بعدما انتزعت شكلاً من أشكال الاعتراف العالمي المفتوح على كل الاحتمالات ـــــ أمام تحدّ من نوع جديد في لبنان: ماضيها ممحو إرادياً. وحاضرها أقل جاذبية في بلدها. أما مستقبلها فمجهول.



مقطع من أغنية "ياسبوب - Yaspop"







عندما انطلقت من بيروت في التسعينيات، شكّلت حالة استثنائية عند جيل الشباب الذي رأى في «سوب كيلز»، فسحةً غنائية لبنانية بديلة، تستمد نكهتها الموسيقية من الموجة الغربية المعاصرة لجهة الإعداد الذي كان يتولاه زيد حمدان، وكلماتها من يوميات مجتمعنا اللبناني أو العربي. أمّا الألحان فكانت خاصة وغربية الهوى، أو مستعادة من التراث الشعبي («كلو نضيف» للفنان الشعبي الراحل عمر الزعني) والطربي («تانغو الأمل» لنور الهدى). وهذا التوصيف ينطبق على الألبوم الثاني والأخير لـ«سوب كيلز» الذي حمل عنوان «شفتك»، أكثر مما سبقه من أعمال الفرقة التي كانت تهمِّش الكلمة العربية لحساب النص الإنكليزي (والفرنسي بالدرجة الثانية)، مثل «باتر»، أو التسجيلات والأغنيات الحيّة غير المسجّلة التي لمْ تلقَ انتشاراً كافياً. لم يكن ما قدّمته الفرقة في النص والموسيقى عظيماً.
فرقة Soapkills التي أطلقتها مع زيد حمدان، مثّلت حالة استثنائية في بيروت التسعينيات
لكن الكلمة كانت متمايزة عن معظم ما كنا نسمعه في الأغنية الجديدة. وكذلك الموسيقى لم تكن تستدعي التحليل العميق لفهمها، لكنها كانت مقبولة وجديدة محلياً. تبقى في الذهن وتُسترجع بسهولة متى أتينا على ذكر فرقة الـtrip hop تلك، وتجربتها الرائدة في لبنان.
انتهت رحلة «سوب كيلز»، بعدما انفصلت ياسمين عن شريكها، بعد إطلالات سينمائيّة، في فيلم «تيرا إنكوغنيتا» لغسان سلهب، واستعمل إيليا سليمان مقطعاً من أغنية لها في «يد إلهية»، ثم عملت مستشارة موسيقية لفيلمه «الزمن الباقي»، وشاركت في اختيار موسيقى الشريط الذي يضم أغنيتين بصوتها من أسطوانتها الأخيرة. ثم ارتمت في أحضان تجربة جديدة مع المنتج ميروايس الذي رأى فيها مشروع نجمة، ورأت فيه طريقاً ممكناً إلى العالمية. الأخير لديه باع طويل في مجال الإلكترو ـــــ بوب الحديث. وله تجربته الخاصة في الثمانينيات والتسعينيات، لكنّ اسمه ارتبط بالمغنية العالمية مادونا التي نفض عنها غبار النسيان، عندما تولى إنتاج «ميوزك»، الألبوم الذي أعادها إلى الأثير عام 2000. ثم عاود الكرة، إذ أنتج لمادونا ألبومَيْها الأخيرَيْن، لكن أوّلهما فقط حقّق النجاح المطلوب، أي «الحياة الأميركية» (2003).
أمس، ودّعتنا ياسمين إذاً، واليوم يستقبل الجمهور اللبناني YAS، ويكتشف ألبومها الجديد Aräbology الذي حوى أغنيات، معظمها بالعربية وبعض الكلمات الإنكليزية. بعد المقدمة الموسيقية المعهودة في الإلكترو ـــــ بوب، أغنيةGet It Right المستوحاة من أوبرا «أينشتاين على الشاطئ» لأحد مؤسسي تيار الموسيقى التكرارية، فيليب غلاس (1937). الأغنية تقوم على توالي الأرقام، لكنها تختلف عن الأوبرا الأمتن في تاريخ هذا الفن، لأنها تفتقد إلى التعقيدات الموسيقية والإيقاعية، وجوهر المعنى الذي يبني على أساسه غلاس تكرار الأرقام وتداخلها في عمله الشهير. وتعود ياسمين إلى طفولتنا، وتغزل على منوال الرديّة العاميّة التي كنّا نتسلّى بها صغاراً «قلو الأول للتاني في دبانة بشنتاني»، فإذا بالنتيجة أغنية «ياس بوب» التي جاء فيها «قلو الأول للتاني، في أميركاني ببستاني»، منتقدة التدخلات الأجنبية في لبنان، بدءاً من أميركا وصولاً إلى أفغانستان (في أفغاني بجزداني) وإيطاليا (في طلياني بفستاني) مروراً بسوريا (في سوري بالخزانة)... لكننا لا نقع على أي إسرائيلي! فالقاعدة الذهبيّة تفرض على من يحلم بالتكريس العالمي، التزام الحدود «اللائقة سياسياً» مع الدولة العبرية.



مقطع من أغنية "دا - Da"







تغني ياس باللبناني والمصري. وتستند إلى أنغام مصرية أو عربية شعبية. تغيِّر بعض الكلمات. لا نفهم بعضها. هي همسات غير مسموعة بوضوح أو مكسوفة بالمؤثرات. بعضها ترافقه برمجة موسيقية عالية الإتقان، أو مُكرَّرة ورتيبة إيقاعياً، ولا تبتعد كثيراً عما نسمعه في الأغنية التجارية العربية (والغربية) الحديثة التي دخلت إليها الموسيقى الإلكترونية. وفي المحصلة الأخيرة، يمكن القول إنّ «لوليتا» سنوات ما بعد الحرب في لبنان كبرت، وقد تكون خسرت شيئاً ما، لكنّها كسبت ثقة الجمهور الغربي. إذ يبدو إن الألبوم يحقق مبيعات عالية في أوروبا.
في «آرابولوجي»، تعيد ياس إعداد أغنيةCoït me من ألبوم «باتر» لفرقتها القديمة، فتغيِّر في نصها، لكنها تتحاشى أي ذكر لزميلها القديم زيد حمدان، ماحيةً كل أثر لانطلاقتها اللبنانية!

8:00 مساء اليوم في «مهرجانات بيبلوس الدوليّة» ـــــ برنامج من ثلاثة أجزاء: غونزالس، «كوكوروزي» وYAS ـــ للاستعلام: 01/999666
http://www.byblosfestival.org/