مسيرته الفنية عمرها عشر سنوات. أنتج سبعة ألبومات، وتعاون مع فنانين عديدين، ودخل موسوعة «غينيس» كصاحب أطول حفلة في التاريخبعدما ألغِيَت زيارته التي كانت مرتقبة في صيف 2006، يحلّ عازف البيانو والمؤلف الكندي غونزالِس (اسمه الأصلي جايسن بَك) ضيفاً على «مهرجان بيبلوس»، ويفتتح السهرة التي تجمعه بالمغنية اللبنانية ياس والفرقة الأميركية الشابة «كوكوروزي».
غونزالِس فنان يعتمد أساليب تعبير مختلفة ومتناقضة. فهو يلجأ تارةً إلى الاستفزاز والتهكم، فيسخر من الموجة الفنية الهابطة والأغنية التجارية والمعلَّبة، ويطرح نفسه عازف بيانو مرموقاً، كلاسيكي الهوى، تارةً أخرى. الوجه الأخير هو الذي سيطل به غونزالِس على الجمهور اللبناني. إذ يقدم في الجزء المخصص له من الحفلة ألبومه الرصين «صولو بيانو» الذي يؤدي منه مقطوعات قصيرة ألّفها بأسلوب حرّ بعض الشيء، لكنه يحاكي التأليف الكلاسيكي الحديث (غير التجريبي).
عمله فريد وخاص تخيّم عليه شخصيته الساخرة
وتجدر الإشارة إلى أن تجربته هذه مستمدة من تكوينه الكلاسيكي في العزف على البيانو في الأساس، رغم أنه متأثر بعالم الجاز ومدارس الارتجال المنفرد. الأنغام في مقطوعاته تراوح بين ما نسمعه في بعض ما كتبه المؤلفون الكلاسيكيون وما هو رائج في عالم الجاز النغمي. وفي هذا السياق أيضاً، يسمح ثبات الإيقاع أحياناً بإدخال آلة إيقاعية، فتصبح التوليفة جازية الشكل بما أنّ الجوهر يحاكي قواعد هذه الموسيقى. هذا إضافةً إلى أسلوب التلوين الجازي الذي يخرج النغمات عن كلاسيكيتها. أيضاً، بعض ما يكتبه غونزالِس لليد اليسرى للمرافقة، لا يتعدى كونه «تسطيحاً» طفيفاً لما هو معهود في الموسيقى الكلاسيكية القديمة أو المعاصِرة. لكن بعيداً من هذه المقاربة، نجد في أسلوب غونزالِس، وتحديداً في الألبوم الذي ستتمحور حوله مشاركته في «بيبلوس»، سلاماً وحنيناً، لا ادعاء فيهما. وتظهر تأثراته ببعض أعمال فريدريك شوبان (بشكل عابر وهامشي جداً) ورموز الحقبة الرومنطيقية (أيضاً بشكل عابر) وإيريك ساتي (وهو المؤلف الأكثر تأثيراً في أسلوب غونزالِس) وبغيرها من المصادر. لكن نَفَسه يبقى خاصاً وفريداً، لا يخلو من انعكاس شخصيته الساخرة ولو بشكل مبطّن بما أنّ هذه الأسطوانة بالتحديد تفرض الحد الأدنى من الجدّية. ويصِف غونزالِس «صولو بيانو» انطلاقاً من رؤيته لآلة البيانو فيكتب ببساطته وفكاهته المعهودة: «يُقال إن البيانو هو الآلة الأغنى بالألوان [ويُقصد بذلك طبعاً الغنى في النغمات]، لكن في الواقع نحن أمام لونَيْن فقط هما الأسود والأبيض، كفيلم صامت قديم. وأتخيّل أي مقطوعة للبيانو كأنها ظلٌّ على حائط». وهنا يمكن الاستناد إلى هذه العبارات لتشبيه المقطوعات الست عشرة في «صولو بيانو» بظلال لحظات من تاريخ التأليف الكلاسيكي والجازي على جدار الحاضر.



مقطع من أغنية "غوغول - Gogol"







مسيرته الفنية عمرها عشر سنوات، أنتج خلالها سبعة ألبومات خاصة، كما عمل على إنتاج (إعداد موسيقي) أعمال لفنانين وتعاون مع آخرين مثل مواطنته المغنية فايست. وبالعودة إلى وجهه الفني النقيض لما سيقدمه في «بيبلوس»، تجدر الإشارة إلى أنّ مساهمته في عالمَي الإلكترو ـــ بوب والهيب ـــ هوب أتت من باب التهكم على هذه التيارات. إذ وضع نصوصها السطحية بشكل إرادي ليهزأ من المعاني الرديئة التي نجد الحصة الأكبر منها في هذه الأنماط تحديداً. وهذا ما يذكّرنا بالحس التهكّمي والهازئ الذي تميَّز به سيرج غينسبور، لنكتشف أن غونزالِس من تلاميذه (بالمعنى المجازي)، وقد أدى إحدى أغنيات الراحل الفرنسي (اليدان) في فيلم Vie Héroïque (إخراج جوان سفار). ويبقى أهم إنجاز سجله غونزالِس في مسيرته الفنية هو دخوله موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية عن فئة أطول حفلة في التاريخ، بعدما بقي على المسرح أكثر من 27 ساعة. لكن في «بيبلوس» سيكتفي ببضع مقطوعات «بالأسود والأبيض» كما يقول في كُتيِّب «صولو بيانو» (2004)، ليملأ، ولو شكلياً، ثغرة المهرجان المتمثلة في غياب الموسيقى الكلاسيكية والجاز على حدٍّ سواء.
بشير...