لم ينته الصراع مع إلغاء «مهرجان جدة السينمائي». التيار المتشدّد يواصل حربه على التلفزيون والإنترنت والصحف... والمعركة لم تُحسم بعد
الرياض ــ بدر الإبراهيم
الحرب مستمرة ولن يكون آخرها إلغاء الدورة الرابعة من «مهرجان جدة السينمائي» قبل ساعات من انطلاقه. ممانعة المشروع السينمائي في السعودية تجلّت منذ بداية محاولة بعض الشبان الدخول إلى عصر السينما. هؤلاء السينمائيّون حاولوا استثمار أجواء الانفتاح التي عايشها المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة بتأثير ثورة الاتصالات والإفادة من مرحلة مساءلة التيار السلفي بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر). هكذا، قاموا بخطوات متقدمة إلى حد كبير فقدموا أفلاماً ضمن الإمكانات المتاحة شاركت في مهرجانات عربية وعالمية، وعملوا على «خلق» حركة سينمائية ولو بسيطة رغم غياب الدعم في بلدٍ تغيب عنه دور العرض.
لهذا تحديداً، لم تشاهد شريحة كبيرة جداً من السعوديين هذه الأعمال. سمعت عنها فقط في وسائل الإعلام. مع ذلك، تواصلت الجهود وأثمرت مسابقةً للأفلام السعودية العام الماضي وثلاث دورات لـ«مهرجان جدة» قبل إلغاء الرابعة، كما عُرض أخيراً فيلم «مناحي» (راجع المقال في مكان آخر من الصفحة) في مدن سعودية عدة رغم صيحات الاعتراض من المتشددين.
الإلغاء صدمةً لـ«روتانا» التي قدّمت نفسها راعياً للمهرجان
ورغم هذا كله، لم تنجح هذه الجهود في صناعة حركة سينمائية سعودية حقيقية وبقيت في إطارها الفردي والبسيط. وهذا يعود إلى أمرين: الأول غياب الدعم الرسمي القوي الذي يعود بدوره إلى الأمر الثاني وهو ممانعة التيار السلفي لكل حركة تدفع باتجاه صناعة سينمائية في البلاد.
التيار السلفي المتشدّد يرى نفسه حارساً للفضيلة وحامياً للقيم الدينية ومحارباً للفساد والرذيلة، وهو لذلك يجد نفسه في حرب مستمرة مع التلفزيون والقنوات الفضائية وبعض مواقع الإنترنت والصحف والكتب التي لا توافق هواه. وهو بالتأكيد في حالة حرب مع السينما وصناعها لأنهم يروّجون للفساد ويسعون إلى شيوع الفاحشة في المجتمع!
ينجح التيار المتشدد في تسجيل النقاط هنا وهناك. مع ذلك، فهو لا يرضى تماماً عن النتائج. وتبقى المشكلة في قضية القنوات المفتوحة مع الخارج التي لم يتمكن التيار المتشدد من إغلاقها. السعوديون يحمّلون الأفلام من الإنترنت وتزدهر بينهم تجارة الأفلام المقرصنة. مع ذلك، تبدو الفرصة مؤاتية لحصر المسألة في نطاق الاستخدام الشخصي ومنع تحولها إلى حالة عامة عبر استخدام كل نفوذ ممكن لمنع إقامة عروض عامة للأفلام ومحاربة كل من يحاول القيام بخطوات نوعية في المجال السينمائي.
مهرجان جدة الذي كان مقرراً أن يفتتح في 18 من الشهر الحالي لقي احتفاءً كبيراً من الإعلام المحلي، لكنّ إلغاءه مثّل صدمةً للمشاركين، ولـ«روتانا» التي قدّمت نفسها راعياً للمهرجان وحاضناً لانطلاقة السينما السعودية (بوجهها التجاري طبعاً)، فيما هلّل السلفيون وكبّروا لهذا الإنجاز الذي ستليه محاولات أخرى لتوجيه ضربات متتالية واستباقية لكل المروّجين لثقافة السينما. لكن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد. محاولات السينمائيين لن تتوقّف والصراع مستمر بين تعطشٍ للانفتاح والتجريب تدعمه ثورة الاتصالات والثقافة الوافدة عبرها (بكل ما فيها من إيجابيات وعلّات)، وبين ممانعة سلفية للانفتاح ورغبة في التقوقع على الذات مجدداً، والسينما هي جزء من هذا الصراع.