محمد عبد الرحمنيقولون في مصر إذا أردت أن تعطِّل تنفيذ فكرة معينة، فألّف لجنة لدراستها، لأنّ اللجنة ستجتمع مراراً لمناقشة الفكرة قبل أن تنبثق عنها لجان لمناقشة تفاصيل الفكرة! لكنّ المهتمين بالشأن الدرامي المصري ما زالوا يعوّلون على اللجنة العليا للدراما التابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون التي تأسست قبل سنوات لإنقاذ الدراما المصرية بعد ازدياد المنافسة مع الدراما السورية والخليجية والتركيّة. وفي الاجتماع الأخير للجنة، وهو الأول برئاسة ممدوح الليثي كرئيس لاتحاد النقابات الفنية، خرجت توصيات تُعتبر إدانةً لنظام إدارة الإنتاج الدرامي في مصر خلال الأعوام الثلاثين الماضية. عندما تكون التوصية الرئيسة دمج القطاعات الإنتاجية الثلاثة التابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون («صوت القاهرة» و«قطاع الإنتاج» و«مدينة الإنتاج الإعلامي») في كيان واحد يهدف إلى تسويق الأعمال المصرية للقنوات العربية، يصبح السؤال: لماذا جرى تفتيت هذه الجهات أصلاً؟ مسلسلات مثل «ليالي الحلمية» و«رأفت الهجان» خرجت من قطاع الإنتاج المصري في الثمانينيات قبل وجود جهات حكومية أخرى تتنافس، بما جعل القطاع الخاص يتفوق ويفرض شروطه. حتى أنّ قطاع الإنتاج، وهو الجهة الأقدم لإنتاج الدراما في مصر، يكتفي حالياً بالمشاركة بـ30 في المئة في معظم المسلسلات كي يقول إنّه أنتج شيئاً ويضمن توفير هذه المسلسلات للعرض على التلفزيون الأرضي. وكثيرون لا يعرفون أنّ «صوت القاهرة» ثانية الجهات الإنتاجية الحكومية تأسست في السبعينيات لإنتاج أغنيات للإذاعة المصرية، قبل أن يشمل نشاطها الدراما، بينما لم تحقق حتى الآن أي نجاح. ثم جاءت مدينة الإنتاج الإعلامي منتصف التسعينيات ومرت بما يعلمه الجميع من قضايا فساد قبل أن تكتفي بتأجير مواقع التصوير ولعب دور الشريك في المسلسلات الناجحة، والعجز عن القيام بالدور نفسه في المسلسلات التي تنتجها بتمويل خالص منها. والمفارقة أن الجهات الثلاثة تشهد سنوياً إنتاج عدد لا بأس به من المسلسلات، لكنّ معظمها لا يحقق أرباحاً. فالنجوم الكبار مثل يحيى الفخراني ونور الشريف لا يتعاملون مع القطاع الحكومي منذ 10 سنوات. ورغم أنّ المطلوب من هذه الجهات توفير المواد الدرامية الجيدة للقنوات المصرية، إلا أنّ هذا لا يحدث على أرض الواقع. والدليل أنّ التوصية الثانية للاجتماع نصّت على تمييز قناة «نايل دراما» وإعادة منحها حقّ الانفراد بالعرض الأول والحصري. ولم يسأل أحد لماذا غاب التمييز أصلاً عن هذه القناة. حتى على مستوى السينما، لماذا لا تُعرض أفلام «جهاز السينما» الذي يديره ممدوح الليثي حصرياً على القنوات الحكومية، بدلاً من أن يشاهده المصريون على art و«روتانا»؟