نجوان درويشزمن بالأبيض والأسود كان يرافق دريد لحّام في الأيام القليلة التي قضاها في غزة. الممثل السوري الذي أطل على الناس مع انتشار التلفزيون، عرف شعبيةً كبيرةً (ولا سيما شخصية المشاغب المحبوب «غوار الطوشة») جعلت لزيارته كل هذه الحميمية والرمزية أيضاً. في غزة، أدى الفنان دوره بإتقان الممثل الشامي (بلاد الشام) الذي يعرف أن التمثيل هو ذروة الصدق مع الذات، لا الاصطناع كما هو رائج في الأدبيات السياسية المريضة. لم تكن مجرّد «زيارة تضامنية» تؤديها شخصية شهيرة، بقدر ما كانت دوراً ممتازاً يؤديه فنان سبق أن قدّم أدواراً في عمق فكرتَي الحرية وفلسطين باعتبارهما رديفاً للانعتاق العربي وحلم الوحدة... وبخاصة في أعماله المسرحية والسينمائية التي كتبها الشاعر محمد الماغوط الذي قد يكون النصف الآخر المجهول لجماهيرية دريد لحام. المؤكد أنّ للماغوط حصة في وجدان الناس الذين التفوا حول دريد لحام في غزة. ولن نذهب بعيداً إذا قلنا إن صاحب «الفرح ليس مهنتي» كان أيضاً مع الذين يسددون الآن فاتورة الكرامة نيابة عن شعوب يسوسها وكلاء استعمار وكومبرادور.

زيارة ناصعة تعدّت «التضامن» إلى الشراكة النبيلة في الجرح
زيارة درامية بكل المقاييس شحنها صدق أداء صاحب «غربة» و«ضيعة تشرين» و«كاسك يا وطن». لحام الذي تحمّل مع زوجته الظروف الرهيبة لدخول غزة وانتظار «رحمة» السلطات المصرية، بدا مباشراً في تصريحاته: «الإنسان الفلسطيني ليس محاصراً في غزة فقط... الفلسطيني محاصر في كل الدنيا ومحاصر في الدول العربية... لكن الحصار الأقسى هو حصار الخلاف بين الإخوة الفلسطينيين... لم أكسر الحصار بزيارتي، كسر الحصار كلمة كبيرة، وهي مهمة الشعوب والحكومات العربية... أنا جئت لكي أتنفس الكرامة».
الأداء الرفيع للحام على خلفية تراجيديا غزة، يجعلنا نتساءل عن «نجوم» عرب ركبوا القضايا (العروبة، محاربة الاستعمار...) أيام كانت هذه موجات رافعة؛ ونسوها ـــــ بل وشهدوا ضدها ـــــ حين ظنوا أن هذه الموجات يُمكن أن تغرق «نجاحاتهم». تجعلنا نتذكر المواقف البائسة الأخيرة لواحد مثل عادل إمام!
لكن مهلاً، لن نذهب أكثر في الحماسة والتقدير. الزيارة الناصعة التي تعدّت «التضامن» إلى الشراكة النبيلة في الجرح، كانت مناسبتها (أو بالأحرى ذريعتها) حضور افتتاح مسرحية لمخرج فلسطيني عنوانها «نساء غزة وصبر أيوب». ومن خلال المقاطع التي بثّتها الفضائيات، لا يحتاج المرء إلى ثقافة مسرحية زائدة ليدرك مدى تواضع هذه «المسرحية» من الناحية الفنية، في الحقيقة تذكّر بالمسرح المدرسي! اللافت أن واحدة من وسائل الإعلام ـــــ التي انهمرت لتغطية زيارة لحام ـــــ لم تتساءل عن القيمة الفنية لـ«نساء غزة وصبر أيوب». التغاضي عن سؤال القيمة الفنية في حضرة القضايا الكبيرة ظاهرة لا يوازيها في البؤس سوى التغاضي عن أسئلة الحرية والمقاومة ـــــ بمفهومها الشامل ـــــ في العمل الفني!