بعد موجة المسلسلات التركية المدبلجة التي اجتاحت العالم العربي، ها هي موضة جديدة تلوح في الأفق مع أحاديث عن دبلجة أفلام عالمية إلى العربيّة الفصحى. وأوّل الغيث «قلب شجاع» و«مملكة السماء»
فرح داغر
تنبّهت بعض شركات الإنتاج الفنّي في سوريا ــــ «الشرق» مثلاً ــــ إلى حجم الأرباح التي يمكن أن تحقّقها عمليات الدوبلاج، إضافة إلى توفيرها الوقت والجهد مقارنةً بما يتطلّبه إنتاج عمل درامي. هكذا، انبرت تلك الشركات لدخول هذه السوق، مؤمّنة لنفسها أماكن عرض في محطات عربية هامة، في وقت تخلّت الممثلة السورية الشابة لورا أبو أسعد عن الإشراف العام على عمليات الدوبلاج في شركة «سامة»، لتؤسس شركة خاصة بها بتمويل خليجي، حملت اسم «العراب». وهذه الأخيرة اشترت عدداً هائلاً من الأعمال التركية وغيرها بهدف دبلجتها إلى العربية. لكنّ شركة «سامة» التي يديرها أديب خير، وهي المنتج المنفِّذ لتلفزيون «غينيس»، كانت السباقة في مشروع الدوبلاج، ووعت باكراً حجم المنافسة التي ستواجهها في هذه السوق. هكذا، وضعت في الاعتبار أن تُقدم على خطوات مفاجئة للجمهور والشركات المنافسة. وقد تردّد أخيراً أنّ الشركة تستعد اليوم لتُدخل تقليداً فنياً عالمياً إلى سوريا، يتمثل في شراء الأفلام العالمية بهدف دبلجتها بأصوات ممثلين سوريين وباللغة

مقصّ الرقيب سيسرح ويمرح في هذه الأعمال ويحذف ما يُزعج المجتمع الخليجي المحافظ
العربية الفصحى. وقد يسهم هذا التقليد في تمكين اللغة العربية. ولن تترك تلك الأفلام المدبلجة فرصة الحديث عن فشلها أو نجاحها في نسخها الأصلية، لأنّ خيارات «سامة» ستبدأ بأفلام حقّقت حضوراً عالمياً وحصدت جوائز عديدة على مستوى مهرجانات عالمية، وهي النقطة الحساسة التي قد تكون سلاحاً ذا حدين في تقبّل الجمهور لها. من جهة لا بد من أن تثير تلك الأفلام فضول المشاهد بسبب شهرتها الواسعة، لكنها، من جهة أخرى، أفلام أكل عليها الدهر وشرب قياساً بحراك السينما العالمية. إذ لا يمكن أن يحمل أي فيلم عالمي ميزة الجدة إلا لعام واحد كأعلى تقدير.
وقد تردّد بقوة أنّ فريق عمل «سامة» يعكف اليوم على بدء التحضيرات لدوبلاج الفيلم الأميركي Braveheart الحائز خمس جوائز أوسكار بينها جائزة أفضل إخراج. الشريط الذي أنتجه النجم ميل غيبسون عام 1995 وأخرجه ولعب دور البطولة فيه، صار يستحق دخول موسوعة «غينيس» لعدد المرات التي عُرض فيها وعدد المشاهدين الذين استقطبهم على مستوى العالم. لكن «سامة» ستقدمه هذه المرة بأصوات ممثلين سوريين قد يحققون إحساساً بأصواتهم يفوق إحساس غيبسون أثناء تأديته الدور! ولم تفصح الشركة عن أي معلومات في ما يخص مكان عرض الفيلم وزمانه بنسخته المدبلجة، أو أي معلومات أخرى عن هذه التجربة، لكونها ترى أنّها تُقدم على خطوة تنافسية جديدة تحمل جانباً كبيراً من روح المغامرة ولا يمكن الجزم بنتائجها. حتى أنّها قد تتراجع عنها في أي وقت، بل هي لم تأخذ الموافقات الكافية للبدء بعمليات الدوبلاج.
لكن يبقى للجمهور رأيه في متابعة تلك الأفلام، أو الإعراض عنها، لا سيّما أنها تقدم بأصوات ممثلين عرفهم جيداً، يؤدون، من خلال أصواتهم، دور المعادل الحقيقي لنجوم عالميين حققوا مكانتهم لدى كل المشاهدين على اختلاف ثقافاتهم وأذواقهم، وليس لممثلين أتراك هبطت عليهم الشهرة فجأة على أيدي السوريين رغم أنّ هؤلاء عملوا في دوبلاج تلك الأعمال من أجل كسب المال ليس إلا.
وبالعودة إلى تجربة دوبلاج الأفلام، فهي لن تقف عند «قلب شجاع» كما يتردّد، بل ستتعدى ذلك كي تصل إلى فيلم «مملكة السماء» الذي أخرجه المخرج العالمي ريدلي سكوت ولعب النجم السوري غسان مسعود دور البطولة فيه. إذ جسد شخصية صلاح الدين الأيوبي. وقد بدأت «سامة» بإجراء اختبارات الصوت المبدئية لمجموعة من الممثلين السوريين، لتوزيع الأدوار عليهم، من أجل البدء بدوبلاج هذا الفيلم الذي قُدم لفترات طويلة في دور العرض السورية، وكان له نصيب مميز من اهتمام المشاهد السوري لكونه حقّق سابقة في نقل أحد النجوم السوريين إلى إطار العالمية.
إلى جانب ذلك، علمت «الأخبار» أنّ هناك أعداداً كبيرة من الأفلام ستُدبلج في استوديوهات «سامة» إذا حصلت على كامل الموافقات وأهمها موافقة mbc التي ستعرض تلك الأعمال. ومن المؤكد أنّ مقص الرقيب في المحطة سيسرح ويمرح في تلك الأفلام المدبلجة، كي يحذف ما يحلو له من دون أي اعتبار للقيمة الفنية وبنائية المشهد والفيلم ككل. بل إنّ الكلمة الفصل ستكون، وفق معايير الرقيب، اعتبارات المجتمع الخليجي المحافظ. وما يجعلنا نجزم في هذه المسألة هي سياسة رقيب mbc وما يفعله بالأفلام العالمية التي تعرضها محطاته من عمليات الحذف الغريبة.


استياء غسان مسعود

نظراً إلى أنّ الشركة المنتجة لا تحبّذ الخوض في تفاصيل تجربتها الجديدة، اتّصلنا بالفنان غسان مسعود (الصورة) لمعرفة ما إذا عُرض عليه تأدية صوت شخصية صلاح الدين الأيوبي في النسخة السورية المدبلجة من «مملكة السماء». لكنّ الفنان السوري أبدى استياءه الشديد من هذه التجربة. وصرّح لـ«الأخبار» بأنّه لا يرغب في الحديث عنها إطلاقاً «ليس لديّ أدنى علاقة بما يحدث عن هذه التجربة، والسبب أنّني كنت آخر من يعلم بها، ولا أدري إن كان من المعقول أن تقدم شركة ما على دبلجة «مملكة السماء» ولا أسمع عن ذلك إلا من الصحافة. لن يكون لي أي تدخّل في هذه الخطوة لا من قريب ولا من بعيد»