منذ الإعلان عن مشروع قناة جديدة تابعة للأزهر، والجدل مستمرّ حول حقّ الأقباط المصريين بمنبر مماثل
محمد عبد الرحمن
الفتنة الطائفية أصبحت هذه المرة فضائية. منذ الإعلان عن مشروع قناة «أزهري» التي يشرف عليها الداعية الشهير خالد الجندي والكلام لا يتوقّف عن حقّ الأقباط المصريين في قناة مماثلة. بدايةً وكما هو معروف، لا يُسمح للأقباط بالحصول على أي مواد دينية عبر القنوات والمحطات الإذاعية التي تملكها الحكومة المصرية. صحيح أنّ مساحة البرامج الدينية الإسلامية على القنوات الحكومية تراجعت في السنوات الأخيرة ما عدا شهر رمضان، لكنّ هذا لا يعني أنّ التلفزيون ينتهج الطريق العلماني، معتبراً أنّ الدين مكانه في الكنائس والمساجد. وغالباً ما أثارت محطة «القرآن الكريم» الإذاعية موجات من الجدل للمطالبة بالمثل، لكونها المحطة الوحيدة المملوكة للدولة وتقدّم مضموناً دينياً خالصاً. لكنّ السياسة غير المعلنة قضت بأن يظل الوضع على ما هو عليه، حتى انطلقت مجموعة من القنوات القبطية عبر القمر الصناعي «هوت بيرد» أو «الأوروبي» كما يطلق عليه المصريون هذا الاسم، منها قناة «أغابي» التابعة للكنيسة الأرثوذكسية في مصر، وقناة «معجزة» و«سات 7». لكن قناة «الحياة» ظلت دائماً مثار

ستستبعد «أزهري» السلفيّين والدعاة الجدد
جدل وغضب بسبب هجوم أحد القساوسة غير المقيمين في مصر على الدين الإسلامي. وبينما كان الجميع يحذّر من خطر القنوات الإسلامية السلفية المتشددة التي تعمل منذ سنوات على جذب الجمهور العربي إلى أفكار متطرفة، حتى في السلوكيات اليومية، لم يسع الأزهر إلى امتلاك قناة للرد على هذه القنوات، رغم أنّ له جريدةً ناطقة باسمه مثلاً. علماً بأن هناك جرائد مسيحية ناطقة باسم الكنيسة، لكن العدالة الصحافية لم تصل إلى المرحلة الفضائية. إطلاق الأزهر لقناة تتحدث باسمه ويظهر على شاشتها رجاله الذين اختفوا بسبب سطوة الدعاة الجدد والسلفيين، تعني بالمقابل حق الكنيسة في إطلاق قناة مماثلة داخل مصر. لهذا، جاء مشروع «أزهري» ليفتح الملفّ مجدداً. علماً بأنّ المحطّة ستُفسح في المجال للوجوه المعتدلة فقط، هكذا أكد القائمون عليها، وهي إشارة لعدم السماح برموز التيار السلفي بالظهور من خلالها، وخصوصاً أن للسلفيين شاشات سيطروا عليها تماماً ونجحوا في التأثير سلباً على الجمهور المصري. ولن يكون السلفيون هم المستبعدين الوحيدين عن الشاشة الأزهرية. إذ يُنتظر أن يُستبعد الدعاة الجدد وفي مقدمتهم عمرو خالد ومصطفى حسني وآخرون، بعدما نجحوا أيضاً في سحب البساط من تحت أقدام شيوخ الأزهر وعلمائه.
أصحاب «أزهري» وفي مقدمتهم خالد الجندي، الوحيد بين الدعاة الجدد الذي يحظى بدعم الأزهر، قرّروا الحصول على قوة الأزهر من خلال الاسم فقط. أي أنّ القناة ليست مملوكة فعلياً للأزهر، لكن الوجوه التي ستظهر عليها ترتبط به كما هو واضح من التفاصيل المعلنة عن الشاشة التي يُنتظر إطلاقها في رمضان المقبل. والاسم يعني الاعتدال وعدم التشدد كما أكّد سالم عبد الجليل رئيس القناة، وهو في الوقت عينه وكيل وزارة الأوقاف. لكن المفاجأة التي لم يتوقّعها كثيرون أنّ القناة لن تنطلق عبر «نايل سات» بل القمر الصناعي العربي «عرب سات» حتى لا يوضع مسؤولو القمر المصري في حرج أمام أي طلبات مسيحية مماثلة. في الوقت عينه، أكّد الجدل المثار حول القناة استمرار عمل القمر الصناعي المصري «نايل سات» من دون ضوابط وبما يجعل مسؤوليه قادرين على التعامل مع كل قضية بقانون مختلف. إذ أطلقت قيادات «نايل سات» تصريحات تؤكد أنّ القمر المصري لا يمنح الترخيص أبداً لقناة دينية. لكن كيف يحدث هذا والقنوات الدينية بالعشرات؟ يأتي الرد ليؤكد أنّ كل هذه القنوات تحصل على ترخيص بأنّها قناة عامة وليست دينية خالصة. والدليل توافر بعض البرامج غير الدينية (!!). إذاً «إقرأ» و«الرسالة» و«الناس» حسب ملفّات «نايل سات» ليست قنوات دينية. بالتالي، يمكن لأصحاب «أزهري» إضافة برامج عامة للحصول على الترخيص بسهولة. لكن إذا فعلت قناة مسيحية الأمر عينه، لا يعني ذلك تكرار الموافقة. وكان خالد الجندي أكد أنّ القناة لن تقتصر على علماء الدين الإسلامي وسيحلّ عليها ضيوف يمثّلون كل الأفكار والتيّارات، بمن فيهم المسيحيون واليهود إذا لزم الأمر! وهي ربما تكون إشارة مسبقة لتمرير القناة عبر «نايل سات». لكن نسبة ضيئلة من الجمهور المصري تمتلك القمر الصناعي العربي الأول «عرب سات». وحتى الآن، لا تزال أصوات بعض القساوسة المصريين تعلو مطالبةً بالمساواة على المستوى الإعلامي. لكن تجاهل هذا المطلب هو الأمر المرجّح حتى تنطلق «أزهري» وتستقرّ ويظل الغضب المسيحي كامناً ليخرج على شكل آراء متطرفة على قنوات «هوت بيرد» أو في حوادث طائفية أصبحت عادية في مصر بين مسلمين ومسيحيين يعوّضون العدل المفقود بالانتقام من أنفسهم.