أداء رفيع، ومزج أمين بين ثقافتَيْن عريقتَيْن

المغنيّة الشابة التي عرّفنا بها المنتج والفنّان اللبناني ميشال ألفتريادس أواخر التسعينيات، شقّت طريقها إلى النجاح العالمي، مع فرقتها «سون كوبانو». وها هي تطلّ علينا غداً ضمن «مهرجانات بيت الدين». مناسبة لإعادة النظر بتجربة مزجت الموسيقى الكوبيّة والعربيّة، والسؤال عن مدى قدرتها على الاستمرار والتطوّر

بشير صفير
َطغى على «مهرجانات بيت الدين» هذا الموسم حضور الفنانين العرب (آمال ماهر من مصر، كاظم الساهر من العراق، سهيل خوري من فلسطين)، واللبنانيين خصوصاً (مارسيل خليفة، غي مانوكيان، غبريال يارد وحنين). مساء غد الجمعة، ستكون حنين ضيفةً لبنانيةً على قصر المير بشير، لكن النكهة الفنية ليست كذلك. إنّها خليط بين المصري (لحن وكلمات) والكوبي (إيقاعات، أنغام، وقليل من الغناء). وعندما نقول «مصري» (أو عربي) و«كوبي»، نعني طبعاً المغنية حنين أبو شقرا والفرقة الكوبية «سون كوبانو» أو إذا فضّلنا: «حنين إي سون كوبانو».
حنين هي الشابة التي دعاها ميشال ألفتريادس لإنجاز مشروعه القائم على مزاوجة اللحن العربي (المصري واللبناني الطربي الشعبي أو الفولكلوري) بأنغام وإيقاعات الموسيقى الكوبية. تعود الانطلاقة إلى أواخر التسعينيات، عندما اختار ألفتريادس الفرقة التراثية الكوبية التي سترافق حنين في ألبومها الأول الذي حوى في جزئه الأكبر أغنيات معروفة مثل «قلبي ومفتاحو»، «أنا والعذاب وهواك»، «إمتى حَ تعرَف»، «يا حبيبي تعالَ»، «يا زهرة في خيالي»، «الحلوة دي»، «أهواك» وغيرها. أما الألبوم الثاني، فحوى أيضاً كلاسيكيات من الأغنية العربية («زوروني»، «لما عَ طريق العين»، «شغلوني»...)، وأعمالاً كتبها ألفتريادس مستوحياً مادتها من عموميات الوضع السياسي/ الاجتماعي ومن الفولكلور (بلدي)... كما غنت حنين في هذا الألبوم ألحاناً للفنان زياد سحاب.

التقط ألفترياديس المزاج العام في لحظة رواج الموسيقى الكوبيّة، بعد فيلم فيم فاندرز الشهير
باتت تجربة حنين وفرقتها الكوبية غنية عن التعريف. ألبوما فرقة Hanine y son Cubano (وخصوصاً الأول «آرابو ــــ كيوبن») حققا مبيعات خيالية في لبنان وخارجه. هذه التجربة رائدة أولاً، إذ لم تسبقها أي محاولة، وفريدة ثانياً، إذ لم تلِها أي محاولة (ربما باستثناء توليف لبناني حديث لأغنية «كيساس» التي نسمعها في وسائل الإعلام بعنوان «بالعكس»). الولادة حصلت في لحظة عولمة موسيقية حساسة التقطها المنتج الموسيقي ميشال ألفتريادس. أما النتيجة، فاعتبرها بعضهم استغلالاً بالمعنى الإيجابي للكلمة، وبعضهم الآخر قارب الموضوع بسلبية. مع ذلك، لا يمكن نكران نجاح المشروع بما أننا نتعامل مع أرقام. لكن، وبموضوعية فنية، يجب تسجيل الملاحظات بمختلف أنواعها وأهميتها، بغية وضع هذه الظاهرة في إطارها الصحيح.
أولاً، هذا المشروع غير تجاري لناحية مكوّناته الفنية، بما أنه مزيج أمين لثقافتَيْن عريقتَيْن، والأداء فيه عالي المقام إن كان لناحية صوت



مقطع من أغنية "قلبي ومفتاحو"







حنين أو لناحية المرافقة الموسيقية للفرقة (رغم وجود ملاحظات طفيفة على الألبوم الأول). ثانياً، هذا المشروع تجاري بمعنى أنه يسهل عليه الوصول إلى الأذن الشعبية العامة، أي الجمهور العريض بمختلف مستوياته الثقافية.
ثالثاً، التقط ألفتريادس مجموعة نقاط مشتركة عند الشريحة الكبرى من الجمهور العربي. الأساسي منها نقطتان: الأولى، إعجاب مُكرَّس للجمهور العربي عموماً ببعض الأغنيات الطربية الشعبية التي أخذ منها الكلمة واللحن، أي ما يهم جمهورنا في العمل الفني بشكل أساسي. والثانية، اجتياح الموسيقى الكوبية للأسواق المحلية، بعدما فكّ الحصار المفروض عليها السينمائي فيم فاندرز مع الموسيقي راي كودِر في الشريط الوثائقي الشهير «بوينا فيستا سوشل كلوب». والنقطة الثانية هذه، يتشارك فيها العرب (واللبنانيون خصوصاً) مع الجمهور في العالم. والدليل الترحيب الذي لاقته حنين وفرقتها في أوروبا.



مقطع من "التعريف"







رابعاً، قيل إنّ هذا الأسلوب يعيد إحياء لائق لأعمال لفّها النسيان في الأوساط الشبابية. لكن، من جهة أخرى، قيل أيضاً إنّ في هذا التوليف استغلالاً لهذه الأعمال، وتحقيق شهرة على حساب تعَب المبدعين (ولا سيما الملحنين). وأكثر من ذلك، قيل إن الإعداد الموسيقي بدا هجيناً. إذ يكمُن جمال هذه الأغنيات في جذور مكوناتها الشرقية التي لا يجوز تهميش أو استبدال بعضها بمُكَوِّن من خارج بيئتها. هذا إذا اعتبرنا أن ما نشعر به من روابط وثيقة بين اللغة الإسبانية والموسيقى اللاتينية هو مسألة عادة وذاكرة سمعية فقط، لا نتاج تاريخيّ مصدره العبودية (لجهة الإيقاع والآلات الإيقاعية) والاستعمار (الأنغام والنحاسيات)... لذا، قد تكون أجمل اللحظات في الألبوم الأول تلك اللاتينية التي تفلت فيها الفرقة ـــــ المعتادة على الفرح ولو وفي الأحزان ـــــ من الكآبة المصرية، وتلك اللبنانية الصرفة (التعريف الذي تستهله حنين كلاماً وتنهيه زجلاً من دون موسيقى).



مقطع من أغنية "لما ع طريق العين"







خامساً، من المؤكَّد أنّ هذه المحاولة باتت في أزمة اليوم. وبوادر هذه الأزمة تكشّفت بعد صدور ألبوم فرقة «حنين إي سون كوبانو» الثاني «10908 كلم» (يعني العنوان المسافة بين بيروت وهافانا) الذي لم يحقق النجاح المرجو، رغم أنه أنجح لناحية التنفيذ الموسيقي والأداء والتسجيل أيضاً. أما الألبوم الثالث، فقد لا يبصر النور، أقله بالشكل المتوقَّع، أي العربي/ الكوبي. ويُحتمل ألا يؤسس هذا المشروع لتيّار ناجح. لكنّه يبقى تجربة لا بد منها لمعرفة ذلك.


8:30 مساء غد ــ مهرجانات بيت الدين ــ للاستعلام: 01/999666
ــ www.beiteddine.org