خماسي كارتر وسداسي بالمييري، يجتمعان السبت في مدينة الشمس لتقديم سهرة نادرة تجمع بين السالسا والبوسا نوفا. استعادة لنصف قرن من الإبداع
بشير صفير
عوَّدت لجنة «مهرجانات بعلبك» جمهورها على المواعيد الاستثنائية في ما يتعلَّق ببرمجة أمسيات الجاز وروافده. هذه المرة تجتمع في سهرة واحدة أسطورتان، في رصيد كل منهما حوالى نصف قرن من الإبداع الموسيقي والخبرة. إنّهما رون كارتر (جاز وبوسّا نوفا) وإيدي بالمييري (جاز وسالسا) وفرقتاهما. بذلك، تكون موسيقى الجاز قد نالت في مدينة الشمس الحصة التي نالها فيها وفي «بيبلوس» الروك العريق مع «ديب بيربل» و«جثرو تال».
قد تتمثّل ثغرة الموسم الكبرى في ضعف البرمجة الكلاسيكية: في «مهرجانات بيبلوس» لا شيء، وفي «مهرجانات بيت الدين» لا شيء أيضاً. وحدها «بعلبك» منحت محبي الكلاسيك جائزة ترضية قيِّمة عبر أمسية ممتازة قدَّمها عازف البيانو دافيد فراي وعرض مرتقب لأوبرا «لا ترافياتا».
إذاً، بعد أمسية أحمد جمال الاستثنائية (2003) التي صدرت على «دي.في.دي»، والسهرة الحافلة بالأسماء الكبيرة الجديدة والقديمة التي أحيتها فرقة «ديزي غيلسبي باند» (2005) ومعها جايمس مودي وباكيتو دريفيرا وروي هارغروف بقيادة سلايد هابتون... تنتظرنا ليلة جاز وجاز لاتيني وبوسا نوفا تشمل موعدين مستقلين يحييهما على التوالي المؤلف وعازف الكونترباص الأميركي رون كارتر، والمؤلف وعازف البيانو إيدي بالمييري (الأصل من بورتوريكو). استضافة شيخين بحجم كارتر وبالمييري في ليلة واحدة تحيلنا إلى استنتاج مقلق: أفول نجم الموسيقى الجادّة والخام، إذ إنّ العشاق الحقيقيين باتوا قلّة.

ترك كارتر موسيقى «البيض» وعزف الجاز
نبدأ مع رون كارتر (1937). صحيح أنّ اسم هذا الموسيقي يبدو مألوفاً، لكنّه، كغيره من عازفي الكونترباص في عالم الجاز (ما عدا قلّة مثل تشارلز مينغس الذي زار بعلبك قبل الحرب)، ليس معروفاً جداً إلا من المهتمين على نحو عميق بهذه الموسيقي. كارتر، عازفاً على آلة لا غنى عنها في الجاز، شارك في تسجيل مئات (لا عشرات) الألبومات التاريخية، أبرزها مع مايلز دايفس (فترة الستينيات: «نفرتيتي»، «كوايت نايتس»، «فتيات كيليمنجارو»...). كذلك عزف مع (أو عزف معه) كبار رموز الجاز في النصف الثاني من القرن العشرين. وله أيضاً تجربته الخاصة، وفي رصيده عشرات التسجيلات التي حملت اسمه، آخرها «جاز وبوسّا» ( 2008)، الذي سيمثّّل على الأرجح محور حفلته اللبنانية. بدأ كارتر مسيرته عازف تشيلّو كلاسيكي. لكنّه، ككثيرين من موسيقيي الجاز السود ـــــ الذين حاولوا عبثاً خرق «حصار» الموسيقى الكلاسيكية ـــــ اضطر لترك هذه الآلة التي كان يعدّها الرجل الأبيض جزءاً من ثقافته الموسيقية (بفعل ارتباطها بالموسيقى الكلاسيكية الأوروبية)، لا شأن للـ«عبيد» فيها. هكذا، انتقل إلى الكونترباص، الآلة التي تصبح للسود عندما تُعزَف نقراً، وتبقى للبيض متى سُحِبَت بالقوس! وهذا ربما ما منحه المهارات التي يتمتع فيها بالعزف على آلته.



مقطع من "Tout De Suite" مع مايلز دايفيس







بعد كارتر وفرقته الخماسية، ينتقل الجو من الحماسي إلى الأكثر حماسة مع إيدي بالمييري وفرقته السداسية. وهنا أيضاً يصعب اختصار مسيرة فنية بهذا الحجم. بالمييري من مؤسسي الجاز اللاتيني، وأمسيته لن تكون لموسيقى وأغاني السالسا النقية كما يوحي الإعلان، بل سيطعّم هذا التراث الذي يعرف مفاتيحه جيداً، بأنغام الجاز التي يملك أيضاً أسرارها الصغيرة والكبيرة. كذلك قد يعرِّج على الأنماط الموسيقية الأميركية الأخرى التي اعتاد مزجها باللاتيني بفعل احتكاكه بالمجتمع الأميركي ومرافقته لتحولاته وابتكاراته الفنية في العقود الأخيرة. بالمييري (1936) ما زال ناشطاً منذ نصف قرن. راكم خلال هذه السنوات عشرات التسجيلات والحفلات الحية، وحصد تسع جوائز «غرامي»، وأسس وقاد العديد من الفرق، تبقى أشهرها «لا بيرفيكتا» التي حقَّق معها الانطلاقة الأولى. ثم عاد إليها كمن يحنّ إلى حبه الأول أو ربما شبابه، فأسس بعد أربعة عقود النسخة الثانية منها.


7:30 مساء الأول من آب (أغسطس) ـــــ «مهرجانات بعلبك» ـــــ للاستعلام: 01/999666 ـ
www.baalbeck.org.lb