بشير صفيربعد «كَتَبتَني»، تعود جاهدة وهبه بعمل جديد بعنوان «أيها النسيان هبني قبلتك». هذه التجربة مشابهة لـ«كَتَبتَني» من ناحية، ومختلفة عنه من نَواحٍ عدّة. وجه الشبه يكمن في التلحين الذي حمل توقيع وهبه هذه المرّة أيضاً. أما الاختلاف فيطال النصوص التي اختيرت من العمل الجديد للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي دون سواها. كذلك يتميَّز «أيها النسيان هبني قبلتك» لناحية الإطار. فالأسطوانة أتت مُرفَقَة بكتابٍ جديدٍ لمستغانمي بعنوان «نسيان.Com» (الآداب).
أدبياً يتناول الكتاب فكرة النسيان من جوانب مختلفة، لكن ضمن محور واحد هو علاقة المرأة بالرجل. هكذا راحت النصوص المُلحَّنة بطبيعة الحال في الاتجاه نفسه، بما أنها جزء من الكتاب. أما موسيقياً، فبالإضافة إلى التقدُّم الكبير الذي تحقّقه هنا جاهدة وهبه ملحنةً نسبةً إلى محاولاتها السابقة، هناك كلام كثيرٌ يمكن أن يُقال. أولاً، ثمة تفاوت كبير أو فرق جوهري (لا يطال اللحن) بين المحطة الأولى في «أيها النسيان هبني قبلتك» وما تلاها. في «أبداً لن تنسى»، تؤدي وهبه اللحن بمرافقة منمّقة لعازف القانون غسان سحّاب، بعد مقدمة للأخير. العزف المنفرد لسحاب في مُستهل الأغنية الأولى، أخذ نغماً اتجاهاً مصرياً إذا جاز التعبير. أما شكلاً، فأعطى العازف للجمل هويةً مزدوجة، إذ أوحى أنها قد تكون مكتوبة أو مُرتَجلة.

نقلة حقّقتها الفنانة في مجال التلحين
في «أكبر الخيانات النسيان» (توزيع: كلود شلهوب، إيقاعات: طوني عنقة)، تبدأ جاهدة بتلاوة النص، فتدخل مرافقة موسيقية حرّة، سوداوية مرتجفة ومشبعة بوجعٍ مجهول، فتحيل الجو إلى تجربة ليزا جيرار (مغنية فرقة «داد كن دانس»). لكن فجأة تتحول هذه المحطة في جزئها الثاني إلى نَفَس مختلف تماماً. البداية الموسيقية موفقة، وكذلك المرافقة والفواصل والتحولات التي تلي. لكن الإيقاع أفسد روح «أكبر الخيانات النسيان» وكان من الأفضل عدم إقحامه في الأغنية.
بعد «أكبر الخيانات النسيان»، محطة مشابهة. هكذا تستهل وهبه «أيها النسيان هبني قبلتك» (توزيع: ميشال فاضل، إيقاعات: روني برّاك) التي أعطت عنوانها للعمل، بأداء النص قراءةً مع مرافقة للبيانو ليتها لم تكن. وعندما نصل إلى النغم، تنقسم المكونات بين جيّد (لحناً، غناءً وأداءً) ومتفاوت بين جيّد وغير موفَّق (التوزيع الموسيقي). ونقطة الضعف ليست في الإيقاع الذي ينتقل بخفة مع تبدل مسار الأغنية من الشرقي إلى اللاتيني، بل في جزءٍ من المرافقة الموسيقية، ذلك السابح في فضاء غير فضاء الأغنية، كما في بعض المؤثرات المستخدَمة. ويُختتم الألبوم بتسجيلات من التمارين، حيث انعدام المسؤولية وغياب الجديّة يولدان لحظات قد تكون أحياناً أمتع من النسخة النهائية.