موعد ثالث مع الجائزة التي تمنحها بعثة المفوضيّة الأوروبيّة في لبنان منذ العام ٢٠٠٦. تساؤلات حول التوظيفات السياسيّة الممكنة لهذه المبادرة التي تحمل اسم الصحافي الشهيد، وتروّج للديموقراطيّة وحقوق الإنسان
بيار أبي صعب
تعلن مساء اليوم «جائزة سمير قصير لحريّة الصحافة ٢٠٠٩» التي يسلّمها رئيس بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان السفير باتريك لوران، والإعلاميّة جيزيل خوري، أمام كاميرات التلفزيون (لم يحدّد نص الدعوة اسم المحطّة). الجائزة ستكافئ شخصين اختارتهما لجنة التحكيم بين مشاركات ومشاركين من ١٨ دولة في المنطقة، تدور مساهماتهم حول الديموقراطيّة وحقوق الإنسان: الأول في فئة الرأي، والثاني في مجال التحقيق الميداني. وتضمّ اللجنة أربعة صحافيين: لميا راضي، ورولا خلف، ونورا بستاني، ومونيكا برييتو، وباحثين: ساري حنفي وفرانك مرمييه، وممثل عن «مؤسسة سمير قصير»: جاد الأخوي.
لا شكّ في أن إحياء اسم سمير قصير مناسبة تستحق التحيّة، وخصوصاً في إطار مسابقة صحافيّة تهدف إلى ترسيخ الديموقراطيّة في المنطقة العربيّة (ولو أنّ الإطار الجغرافي للجائزة يتركّز حول المتوسط والشرق الأوسط). وقد كنّا لنتعامل بسذاجة مع المناسبة، وما تحمله من نوايا طيّبة، لولا «المغامرة» التي شاءت المصادفات أن يعيشها كاتب هذه السطور رغماً عنه في كواليس الجائزة.
بدأت الحكاية حين تسلّمنا رسالة من موظف في بعثة المفوضيّة الأوروبيّة في لبنان، اسمه سيبستيان برابان، يدعونا فيها، بصفته مكلّفاً بتنظيم «جائزة سمير قصير لحريّة الصحافة»، إلى المشاركة في عضويّة لجنة تحكيم الجائزة. تلقينا الأمر بمزيج من الدهشة والانفعال، مضافاً إليهما شيء من الحيرة: هل المفوّضيّة الأوروبيّة هي التي تختار أعضاء لجنة التحكيم؟ ماذا عن «مؤسسة سمير قصير»: هل باتت ــــ قبل أن تبيع «حريّة الصحافة» للعالم ــــ قادرة على الانفتاح لبنانيّاً، من دون أبلسة نصف البلد أو إلغائه؟ هل تكون محاولة احتواء؟ أم لعلّه مقلب من مقالب سمير الذي يطلب ألا ننسى تاريخه، وألا ندع أحداً يتاجر باسمه، أو يسجنه في معادلات ظرفيّة؟
لم يتأخر ردّنا: «سيدي، أقبل دعوتكم بمزيد من الاعتزاز والحماسة. هناك ما هو أبعد من العلاقة الوثيقة والقديمة التي ربطتني بصديقنا وزميلنا الراحل: إن سمير سيبقى رمزاً، بموهبته الفذّة وقلمه الملتزم ونزوعه الدائم إلى الحريّة. هذا الرمز تحديداً، يهمّني، مثل كثيرين، أن تتمّ المحافظة عليه من أي احتواء سياسي أو استغلال فئوي ضيّق. ومَن بوسعه أن يقدّم تلك الضمانة المعنويّة، أفضل من المفوّضيّة الأوروبيّة؟ شكراً لمنحي هذا الشرف. أعاهدكم أن أواصل بكل ما بوسعي إحياء ذكرى سمير قصير، والدفاع عن مبادئه، ونشر تلك المبادئ التي قاتل من أجلها ببسالة طوال حياته القصيرة. مع المودّة، إلخ.».
بعد أسابيع عدّة، وصلت رسالة جديدة من المفوّضيّة: «... أستمحيكم عذراً على هذا الرد المتأخّر... فنحن منهمكون منذ أسبوعين بزيارات متعاقبة لمسؤولين في الاتحاد الأوروبي. سررنا بموافقتكم على المشاركة. ويسعني أن أقول إن اللجنة قد اكتملت الآن. يهمّ رئيس البعثة أن يرّد عليكم شخصيّاً ليشكركم. إلى لقاء قريب... سيبستيان برابان».
وأخيراً اتصل مسيو برابان. كان صوته يبدو مرتبكاً، وكلماته متلعثمة: «تعرف... عندنا مشكلة صغيرة. لعلّك فهمت من مراسلاتنا أن قرار إشراكك في اللجنة كان نهائيّاً؟ في الحقيقة... تعرف... نحن شركاء في هذا المشروع مع «مؤسسة سمير قصير الثقافية»... وقد أتوا إلينا في اللحظات الأخيرة بقائمة من الأسماء يريدونها في لجنة التحكيم».
ــــ عجباً. وقبلتم أن يكسر قراركم من قبل مؤسسة محليّة، لا وجود فعلي لها من دون دعمكم المادي؟ ألم تطلبوا إيضاحات؟ أليس عندكم فكرة عن السبب؟
ـــ علينا أن نأخذ رأي شركائنا بعين الاعتبار
ــ هذه اسمها الشراكة المتعادلة. برافو! مسيو برابان، قل لي بصراحة: مَنْ رفض مشاركتي بالتحديد؟
ــ لا ليس الأمر كذلك... لا تفهمني بشكل خاطئ. كل ما في الأمر أننا أعدنا تشكيل اللجنة لتراعي بشكل أفضل التمثيل الجغرافي
وأضاف: «آمل أن تكون الظروف مؤاتية أكثر العام المقبل لمشاركتك في اللجنة».
في الحقيقة ما نأمله «في العام المقبل»، أن تتصرّف المفوّضيّة الأوروبيّة بما يليق بهيبتها وتقاليدها. من حق «مؤسسة سمير قصير الثقافية» أن تملك أجندتها على المستويين الداخلي والإقليمي. من حقّها أن تنحاز إلى محور سياسي، خلف واجهة حريّة الصحافة والديموقراطيّة وحقوق الإنسان واسم سمير قصير... لكن من غير المقبول أن تغطّي المفوّضيّة الأوروبيّة ذلك الانحياز، فتنجرّ إلى مواقف لا تليق بها وبدورها.
المشاركون والمشاركات في المسابقة، من دول عربية تعيش تحت وطأة القمع والاستبداد والفساد والتيوقراطيّة والفقر والتخلّف والذكوريّة والاستغلال والاحتلال والتبعيّة، لا علاقة لهم بهذا الجانب المظلم من الحكاية. هؤلاء لا يعرفون (للأسف؟ لحسن الحظ؟). ما يجذبهم هو اسم سمير، والحلم بمستقبل أفضل... لذلك سنحتفل بالفائزين بينهم هذا المساء. وسنستمع إلى ممثلة المؤسّسة تخطب مجدداً عن الديموقراطيّة والتعدديّة (وربما أضافت شيئاً عن فلسطين)، على أمل ألا يتحوّل الاحتفال إلى مهرجان سياسي، خمسة أيّام قبل الانتخابات النيابيّة...
لكنّنا نأمل مستقبلاً، أن تقوم المفوضيّة الأوروبيّة بدورها كهيئة دوليّة محايدة، وتحمي اسم سمير قصير وجائزته، من وحول الانقسامات اللبنانيّة و«الحروب الصغيرة».


* السادسة مساء اليوم في فندق «فينيسيا».
* في الذكرى الرابعة لاغتيال سمير قصير، دعت مؤسسة سمير قصير الثقافية ومركز SKeyes و«عدد من الزملاء الإعلاميين» كما جاء في الدعوة، إلى «توقيع عريضة ضدّ العنف على الصحافة والصحافيين»، عند الرابعة والنصف من بعد ظهر اليوم في الحديقة التي تحمل اسم زميلنا الراحل.