يوم صدور الحكم» فيلم جديد ينضمّ إلى الأعمال التي تناولت الوجع الفلسطيني. المخرج المعروف عباس رافعي أنهى أخيراً التصوير في بعض المحافظات السورية، موثّقاً مرحلة تمتدّ من النكبة حتى الانتفاضة... من خلال قصّة حبّ
دمشق ــ رائد وحش
كلما أراد الإيرانيّون صناعة فيلم عن فلسطين، جاؤوا إلى سوريا. تلك باتت قاعدة، بعدما تكرّرت في فيلمي «المتبقي» (لسيف الله داد)، و«حبّ على مقياس ريختر» (لمحمد دورمنش). الأول المأخوذ عن رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» تناول ولادة إسرائيل التي بدأت بمحو كل ما هو فلسطيني وإزالته، والثاني تناول أسطورة مخيّم جنين... وها هي القاعدة تتأكّد في الفيلم الإيراني/ السوري/ اللبناني «يوم صدور الحكم» للمخرج المعروف عباس رافعي، الذي أنهى عمليات تصويره أخيراً، بعدما جالت كاميرته في عدد من المحافظات السورية. وقد تولّى إنتاج الشريط «التلفزيون الإيراني». أمّا الإنتاج التنفيذي، فجرى بالتعاون بين شركتي «ميثا» السورية و«الريحانة» اللبنانية.
عباس رافعي (1962) الذي أنجز العديد من الأفلام، بينها «الشمس تشرق على الجميع»، وجد في سوريا مكاناً ملائماً لتنفيذ مشروعه لمجموعة أسباب، أبرزها «موقف سوريا كبلد وثقافة ضد المشروع الإسرائيلي، ودعمها المستمر وتبنيها الدائم للقضية الفلسطينية، إضافةً إلى كونها من الدول القليلة في المنطقة التي تسمح لسينمائيين أجانب بإجراء عمليات تصوير على أراضيها». وسوريا كما يرى رافعي «من أكثر الدول العربية التي تقوم بإنتاج كمٍّ مهم من الأعمال الدرامية التلفزيونية، وبالتالي هناك عدد كبير من الممثلين القادرين على تقديم الأداء المطلوب، وبالنسبة إلى أي صانع أفلام، هناك عاملان مهمّان لإنتاج الفيلم: التنوع المكاني وتنوّع الممثلين.. هذان العاملان كفيلان بجعل أي صانع أفلام يختار سوريا». مع ذلك، فالمشروع ليس إيرانياً صرفاً بوجود عدد كبير من الممثلين السوريين واللبنانيين في العمل كما يذهب مدير الإنتاج أشرف غيبور إلى القول.
النص الذي كتبه علي الحسيني بالتعاون مع رافعي تمتد خريطة أحداثه على مساحة زمنية عريضة تصل إلى نحو ثلاثين سنة، بحيث تطول المفاصل الأساسية في تاريخ الوجع الفلسطيني: (النكبة، التهجير، اللجوء، الانتفاضة...)، وهذه الأقانيم تُعرض من خلال قصة حب رومانسية تجمع بين حسام (قصي خولي) ابن أبي سالم (يوسف مقبل)، وليلى (ليليا الأطرش) ابنة جاره أبي سلامة (محمود خليلي). لكنّ النكبة ـــــ في سياق عاطفيّ ـــــ ستحمل عذاباً مزدوجاً، ذلك أنّ الاحتلال كما يراه قصي خولي في تصريح لـ«الأخبار»: «لم يكتفِ بنهب المكان والأرض، بل إنّ مخالبه طالت حتّى.. الحبّ».
لا شك في أنّ قصة الحب بين حسام وليلى تتشابك إلى حدّ كبير مع الرواية الماركيزية الشهيرة «الحبّ في زمن الكوليرا». بعد التهجير، يذهب العاشقان في اتجاهين مختلفين، إلا أنّ الزمن لا يبخل عليهما بمحطات لقاء سريعة وقصيرة، حتى يكون اللقاء الكبير عقب مجزرة صبرا وشاتيلا، وقد صارا كهلين متعبين من عذاب الغربة... والانتظار!
يسير السرد الفيلمي بطريقة الـ«فلاش باك»، حيث يبدأ بحسام شيخاً (بول سليمان)، فهو بعدما أصبح غنياً ومنطوياً، يأتي الطالب الجامعي أحمد (مكسيم خليل) ليعمل عنده، وسرعان ما يستطيع هذا الشاب إخراجه من صمته، فيروي له حكايته كلّها، بادئاً بالذكريات التي شهدها عام 1982، ما يؤكّد أن المأساة الفلسطينية حكاية لا يكفل لها البقاء إلا وجود رواة يصونونها من صدأ النسيان!
شخصية حسام موزّعة بين خولي وسليمان، فيما تبقى شخصية ليلى لتجسّدها ليليا الأطرش كاملة، تقول لـ «الأخبار»: «شخصيتي جديدة على ما قدّمته سابقاً، حتى على مستوى الشكل، فهي تمر بأربع مراحل عمرية بدءاً من الـ 15 من العمر حتى السبعين».
يحفل الفيلم بالكثير من الدلالات الرمزية التي تحاول تقديم رؤيا شعرية كما هو دأب السينما الإيرانية، لكنّها في علاقة الفلسطيني بأرضه ستأخذ منحى آخر. هكذا سينتحر الضابط الفلسطيني في الجيش الإنكليزي (محمد حداقي) بطلقة مسدس أمام ليلى، حين يتأكد من أنه خسر المنافسة مع حسام على حبّها، لأنه بات خائناً أمامها وأمام أبناء بلده. جدّ حسام (ممدوح الأطرش) يعود إلى أرضه ليموت ويده تقبض حفنة من ترابها.
ما يمكن قوله أنّ تراجيديا فلسطين تحتاج من العرب إلى الكثير. وإذا كان الفنانون المشاركون في «يوم صدور الحكم» قد تحمّسوا للعمل لمجرد أنّه عن فلسطين، فالمطلوب هو العمل على صناعة سينما ودراما تظل تقرع جدران خزان هذا العالم! إذ إنّ الأفلام العربية المصنوعة عن فلسطين اقتصرت على أعمال دعائية، ومستواها الفني ضرّ أكثر ممّا أفاد «قضية العرب المركزية» كما في «الفلسطيني الثائر»، «فتاة من فلسطين»، «أرض السلام».. ولعل دين الدم الفلسطيني على العرب ظلّ مؤجلاً حتى ظهور «المخدوعون» (لتوفيق صالح عن رواية غسان كنفاني)، و«كفر قاسم» (لبرهان علوية عن رواية عاصم الجندي). ذلك أنّ هذين الفيلمين عُدّا من العلامات في تاريخ السينما العربية. لكن التاريخ اللاحق لهما لم يقدّم أعمالاً ترقى إلى المستوى الذي بلغاه. وكم كان المشهد سيكون قاتماً لولا ظهور فيلم «باب الشمس» (2004) ليسري نصر الله (عن رواية إلياس خوري) الذي قدّم ملحمة وضعت الحكاية في مواجهة التاريخ.