بيار أبي صعبحين تتعرّف إليه تسأل: هل أنت قريب بشارة واكيم؟ تفترض أن الرجل الذي أدى دوراً حيويّاً في السبعينيات على مستوى المسرح (والتلفزيون) في لبنان، مع شوشو تحديداً، لا بدّ من أن يكون منحدراً من «كاركتير» اللبناني النموذجي في الفنّ المصري. مرّة في التسعينيات، كان جوابه: ليست هناك أواصر قربى، لكنّني مثله من لبنانيي مصر. وقال إنه سيكتب يوماً عن هؤلاء الأعلام الذين هاجروا إلى مصر، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ليشاركوا في صنع نهضتها، ويصبحوا غالباً من أبنائها(ورموزها).
بعد سنوات، يطلّ فارس يواكيم الذي يعمل حالياً في الصحافة من ألمانيا، بكتاب «ظلال الأرز في وادي النيل» (الفارابي) المهدى إلى والده «الذي عاش ومات وفي قلبه حبّان: مصر ولبنان». الكتاب رحلة مشوّقة في مرحلة أساسيّة من التاريخ اللبناني والمصري، بلغة سلسلة، مشبعة بالتفاصيل النابعة من معايشاته، بقدر ما هي ثمرة أبحاث واستقصاءات. بانوراما سياسيّة وثقافيّة لمصر حين كانت واحة ازدهار وأمان نسبي، وفضاء حريّة كوسموبوليتياً استقطب مبدعين وإعلاميين ومفكّرين لبنانيين.
قد تكون هناك أسماء ووجوه وحقبات يعرفها القارئ جيداً. لكن الجديد هو تلك الرواية المتسلسلة التي تبدأ بالأخوين سليم وبشارة تقلا (الأهرام)، ثم جرجي زيدان (الهلال)... فمفكري المادية والاشتراكيّة شبلي الشميّل وفرح أنطوان، والإصلاحي الإسلامي محمد رشيد رضا، فأمثال خليل مطران وروز اليوسف وفؤاد حداد... وصولاً إلى آسيا داغر وماري كويني ولور دكاش وبديعة مصابني. هل ذكرنا جورج أبيض؟ وماذا عن يوسف شاهين؟ «الزحلاوي» أكثر من بشارة واكيم، فالأخير ابن صور خلافاً للفكرة السائدة. عجباً! ألم تبدأ(ي) بعد بقراءة هذا الكتاب؟