هشام بن الشاويفي «من قال أنا» (دار الفنك) يكتب عبد القادر الشاوي عن تجربة المرض ومواجهة الموت. يجعل من المحكي ــــ بأصوات متعددة ــــ تأملاً أبيض للحياة والحب والنضال والكتابة، ويفضح زيف أوهام تكرس الخيبات والإحباطات. الفصل الأول من كتابه، جاء على لسان أحمد الناصري، «رفيق» الطفولة والنضال والاعتقال. الثاني ترويه صديقته منار السلمي. فيما يتولى سرد الفصل الثالث راوٍ افتراضي. أمّا في الأخير فيتحدّث الكاتب نفسه، مع مقدمة/ شهادة كتبها أحد الأصدقاء. يُصدم أحمد الناصري لرؤية صديقه عبد القادر الشاوي في المستشفى، غارقاً في غيبوبته، ثم يستحضر لقاءهما في الرباط، بعيداً عن مراتع الصبا والذكريات المشتركة. ولا ينسى الناصري رفاق الاعتقال الذين «باعوا وبايعوا» وعلاقة صديقه الغامضة بمنار السلمي. وبمغادرة أحمد الناصري المستشفى، يتدفق مسار سردي آخر على لسان منار السلمي التي تزور عبد القادر الشاوي بعد فراقهما، مفترضةً أنه سيعتبر زيارتها نوعاً من التشفي كالآخرين! تتذكر لقاءها الأول به، تفاجأ بأنّ الزيارة ممنوعة. وعلى لسانها، يمارس الكاتب نقداً ذاتياً عنيفاً، فاضحاً جفاءه وتهربّه منها. وحين تغادر منار المستشفى، تلتقي بأحمد الناصري، وتتحدث معه عن زيارته للأراضي الفلسطينية، تلك المبادرة التي كان ليعتبرها بالأمس نوعاً من الخيانة للثورة وشهدائها.
في الفصل الثالث، يتولى سارد افتراضي، قراءة رسائل وصلت إلى الشاوي من أصدقاء ومعجبين ورفاق، بينها رسالة من الراحل جبرا إبراهيم جبرا، يشيد فيها بروايته «دليل العنفوان»، من دون تجاهل خبث بعضهم وشماتته... وفي الفصل الرابع والأخير، يروي صاحب «كان وأخواتها» تجربة اكتشاف الورم الخبيث ودخوله المستشفى، واصفاً رحلة الألم والتمزق والرغبات التي يهزمها الوعي الحاد بالموت / الفناء، كلحظة وجودية مصيرية غامضة، يلوذ بالحنين والبوح.
هكذا، لا ينسى فضح الانتهازية السياسية واختلاق البطولات الزائفة، عبر حديثه الهاتفي مع صديقه أحمد، في إشارة ساخرة إلى أحد رفاق تجربة الاعتقال. وخلال التحضير لعملية جراحية، يتأرجح بين الحضور والغياب، بين الحياة والموت. يغرق في غيبوبة التخدير وبياض اللحظة، كمعادل جمالي للتطهر من أدران الماضي «قبل» العملية. وبلغة شاعرية في احتجاجها، جارحة بصدقها، تعلّمنا كيف نصدق مع أنفسنا، حتى نكون صادقين مع الآخرين... من دون أية محاولة لتجميل أخطائنا!