صحيفة جديدة تنضم إلى الساحة الإعلاميّة اللبنانية، تهدف إلى «الكتابة بلغتنا الحقيقية، وتقديم الخبر الدولي بما يخدم عقل قارئنا». فريق العمل أمام تحدّيات عديدة، من استقطاب قراء أوفياء إلى بلوغ الاحترافية
سناء الخوري
«البناء ـــــ يومية سياسية قومية اجتماعية» وجريدة إضافيّة على الساحة الإعلاميّة في لبنان. التوقيت الذي اختاره «الحزب السوري القومي الاجتماعي» لإطلاقها مطلع الشهر الماضي، جعل الخلط بين الهمّ الإعلامي والهاجس الانتخابي مشروعاًً. «الجريدة قد تسهم في إيصال رأي الحزب على حقيقته من دون تشويه أو تعتيم أو تقزيم»، يؤكد ربيع الدبس عضو القيادة المركزيّة في «القومي». إذاً، الحاجة إلى منبر إعلامي في فترة الانتخابات دفعت الحزب، الأعزل إعلامياً كما يتردّد في أوساطه، إلى إعادة إصدار «البناء» يوميّة شاملة، بعد سنوات على صدورها أسبوعية معنية بأخبار القوميين فقط. فهل ستستمرّ بالصدور اليومي بعد الاستحقاق الانتخابي؟
من الناحية اللوجستيّة، يؤكد المدير الإداري وليد عكر أنّ المشروع طويل الأمد.«البناء» ستزيد صفحاتها الـ16 إلى 20، كما ستعتمد مراسلين ثابتين في عواصم العالم الرئيسة. الجريدة الصادرة عن «الشركة القوميّة للإعلام» (ناشرها النائب أسعد حردان)، أبرمت عقداً مع «شركة النهار للطباعة والنشر»، بحيث تطبع هذه الأخيرة ثلاثة آلاف نسخة يومياً، وتوزعها في مختلف المناطق اللبنانيّة، وفي سوريا منذ 18 أيار (مايو). تبويب الجريدة أعطى الاهتمام المركزي للمحليات السياسيّة، (3 صفحات)، الأخبار والتقارير العربيّة والدوليّة (صفحتان)، فيما حلّت الثقافة على الهامش بصفحة واحدة. لا تعوّل الجريدة على المبيع اليومي، بل «على الإعلانات والاشتراكات الوفيّة والنوعيّة»، يقول الدبس. حتّى موقع الجريدة سيكون متاحاً للمشتركين فقط، بعد انتهاء مرحلة البثّ التجريبي، إذا صحّ التعبير، فمحتوى الموقع يقتصر حالياً على نسخات PDF من الصفحات المطبوعة، وبعض المواد المتفرقة ذات الجودة المتدنّية.
الاشتراكات «الوفيّة» في جريدة «القومي» تعني القوميين بالدرجة الأولى، لكنّ التحدي يكمن في قدرة الجريدة على جذب قرّاء أوفياء خارج الإطار الحزبي، كي لا تتحوّل إلى نشرة داخليّة. وإن كان إصدار مطبوعة جديدة في سوق لا يتعدّى فيها قرّاء الصحافة المكتوبة عشرات الآلاف، خطوة جريئة، يبقى السؤال عن الإضافة التي قد تقدّمها «البناء» إلى الصحافة اللبنانيّة.
المشكلة هنا، أن البثّ التجريبي لا ينسحب فقط على موقع الجريدة الإلكتروني، بل على نسختها الورقيّة. بعد فترة تحضيريّة خاطفة، طغت على الأعداد الـ26 الماضية صبغة التجريب: أنباء كثيرة منسوخة من الوكالات، وأخبار غير حدثيّة في الصفحات الثقافيّة والفنيّة والأخيرة. غياب المواد الأرشيفيّة الكافية في صحيفة مبتدئة قد يبرر هذا، لكنّه لا يعفيها من معالجة سريعة للتقشف الواضح في الشكل وغياب الابتكار في المضمون، إن كانت تنوي الاستمرار الفعلي والسير نحو
الاحترافيّة.
يسعى فريق العمل إلى بلوغ ذلك المستوى. رئيس قسم «عربيات ودوليات» عيسى الأيوبي، يعتقد أنّ التحدّي سيكون «الكتابة بلغتنا الحقيقية، وتقديم الخبر الدولي بما يخدم عقل قارئنا، لا صاحب الخبر». من جهته، يدرك رئيس القسم الثقافي نعيم تلحوق ضرورة إعطاء مساحة أكبر للحدث ويقول «ليس لدينا رغبة بأن تكون المواد الثقافيّة للوعظ فقط».
قبل نصف قرن، حين أسس محمد البعلبكي وأدونيس «البناء» (رئسا تحريرها بين 1958ــــ1961)، مثّلت الجريدة منبراً طليعياً للفكر والشعر والأدب، مع أقلام كمحمد الماغوط وكمال خير بك ونذير العظمة وجورج مصروعة وغيرهم. نسخة 2009، بعيدة عن تلك الريادة، رغم انضمام أسماء ذات خبرة طويلة إلى فريقها (بعضها خرج قبل أن تكمل الجريدة شهرها الأول). مرحلة المخاض الأولى، أدّت أيضاً إلى معمعة في بعض الزوايا، كزاوية «غرائب اليهود» في الصفحة الأخيرة التي ارتأى التحرير حذفها في النهاية. فقد كان من المستهجن أن ترد زاوية من النكات الدينية السخيفة في جريدة صادرة عن حزب علماني.
لكن يُحسب لـ«البناء» تكوينها مجلس مانشيت من صحافيين ينتمون إلى خلفيات سياسية متنوّعة. كما يحسب لها ارتكاز نهجها التحريري على نقاط ثابتة ومحددة، يلخصها مدير التحرير كميل خليل باثنتين: «الأولى أنّ عدونا هو إسرائيل، والثانية أننا جريدة تحارب الطائفيّة والمذهبيّة». فهل سيتطوّر الشكل التقليدي للصحيفة ليصبح قادراً على مواكبة هذه الأهداف الراهنة؟