بيار أبي صعبصوت المثقف لا نسمعه كثيراً في لبنان. إنّه، بامتياز، «الضمير» الغائب عن الشأن السياسي بالمعنى المباشر للكلمة. هذا لا يعني أن الكتّاب والمبدعين والمفكّرين وسائر المعنيين بالثقافة، اختاروا الحياد. فمعظمهم منحاز بأشكال مختلفة، غير منظورة غالباً: تارة لأفكار سامية ومبادئ نبيلة، تضيق بها لعبة الانقسام الضيّقة... وتارة أخرى لعصبيات ومصالح مادية وتبعيّات مختلفة، يستحسن إخفاؤها، خلف واجهة من الشعارات الجميلة، وأشهرها في السنوات الأخيرة: «العلمانيّة»، «دولة المؤسّسات»، «الخطر التيوقراطي»، «المحور السوري ـــــ الإيراني»، «رفض العنف والإرهاب»، «ثقافة الحياة»، «حريّة التعبير»، «السيادة والاستقلال» وقِسْ على ذلك.
لكن أهل الأدب والفنّ بشكل عام، ما عادوا منخرطين، فعليّاً، في الممارسة السياسيّة اليوميّة، تلك التي تفترض تأييد هذا التيّار، أو ذاك الائتلاف. وربما اعتبروا أن من طبيعة وجودهم الترفّع (في العلن على الأقل!) عن كل ما يمكن أن يعود عليهم بشبهة انتماء. أو لعلّ كثيرين اعتكفوا لعدم وجود شخصيّات وأحزاب وبرامج من شأنها أن تمثّلهم... تاركين إدارة الشأن العام بيد أمراء الطوائف. المؤكّد أن قلّة تجرأت على المجاهرة بموقفها في هذه المرحلة الانتخابيّة، مثل ريمون جبارة الذي رأيناه في مهرجان «القوات»... أو زياد الرحباني الذي أحيا أمسية في مهرجان عوني. فماذا عن الباقين؟ فكرنا أنّ الانتخابات النيابيّة، مناسبة للاطلاع على نظرتهم إلى الحياة السياسيّة الراهنة وموقعهم منها. وتوجّهنا إلى مثقفين ومبدعين من مختلف الأجيال والاتجاهات، بسؤال ثلاثي، من شأنه أن يفتح نقاشاً حول مفاهيم الديموقراطيّة، والشرعيّة، والمؤسسات، ودور النخبة: ماذا تعني لك انتخابات 2009؟ هل ستشارك فيها؟ ماذا تنتظر منها؟ بعض الكتاب اعتذر عن عدم المشاركة: «نحن نعمل في الأدب، ليس لنا أن نتدخّل في السياسة». أحدهم كان عفوياً وصريحاً: «أنا من جوّ يعتبر أن جريدتكم مع الخط الظلامي الذي يريد تحجيب النساء»، وليته سمح لنا بنشر هذا الكلام على لسانه في تحقيقنا. كثيرون تجاوبوا ولعبوا اللعبة، وأتاحوا للقرّاء أن يسمعوا صوتهم عند مفترق هناك من يعتبره «حاسماً» و«مصيريّاً»، ومن يرى فيه فصلاً جديداً ــــ يضاف إلى ما سبقه ــــ في مهزلة الحياة السياسية اللبنانيّة.