بعد قضيّة الناشر فتحي البس، «رابطة الكتاب الأردنيين» تطالب بتعديل قانون المطبوعات والنشر، وبإلغاء الدائرة المشرفة على تطبيقه. متى يتّسع هامش الحريّة في بلد غالب هلسا وتيسير سبول؟
أحمد الزعتري
قبل أربعة أعوام، داهمت قوات الأمن كشك أبو علي في وسط البلد، وهو أقدم مكتبة شعبية في عمّان، وصادرت عدّة كتب، قبل أن يزوره مدير الأمن العام آنذاك محمد العيطان ويعيد له المؤلفات المصادرة ويعتذر منه. لا يمكن فعلياً السيطرة على سوق الكتب الممنوعة في الأردن. يكفي الأمر شائعة عن كتاب ممنوع لتستعر هذه السوق. مهما كان الكتاب (مظفر النوّاب، أحمد مطر، أو حتى قصيدة «مديح الظل العالي» لمحمود درويش)، يمكن بسهولة العثور عليه وتداوله.
لكنّ صدور قانون المطبوعات والنشر في عام 2007، لفت إلى قضيّة سجن الكتّاب رغم ورود نص صريح في القانون بعدم جواز ذلك. من هنا، أطلقت «رابطة الكتاب الأردنيين» أخيراً حملة لـ«إلغاء دائرة المطبوعات والنشر، وتحويلها إلى دائرة للمعلومات لتكون صديقة للكتّاب والمبدعين، ولتعديل قانون المطبوعات والنشر». هذه الحملة تعزّزت بحراك لافت في الرابطة عبر إقامة أربع ندوات (حتى الآن) للإعلان عن الحملة ومناقشة عدد من الكتب الممنوعة.
رئيس لجنة الحريات في الرابطة الباحث عبد الله حمودة يفسّر دوافع الحملة بأنّه، رغم عدم جواز سجن الكاتب بموجب القانون الجديد، «إلا أنّ هناك 31 مادة في قانون العقوبات يستند إليها قانون المطبوعات وتجيز سجن الكاتب، بينها المواد المتعلقة بحفظ أسرار وثائق الدولة، المعاهدة الأردنية الإسرائيليّة، وقانون الإرهاب». بينما اتهم رئيس الرابطة سعود قبيلات البرلمان بأنّه «أصبح يضيق بحرية التعبير فيما يُفترض أن يدافع هو عن الحريات».
أما عن عناوين الكتب التي منعت، فيستغرب حمودة منع أعمال عدّة مثل «البكاء على صدر الحبيب» لرشاد أبو شاور، مذكّرات بهجت أبو غربيّة، «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف بأجزائه الخمسة. وأحصى حمودة عدد الكتب الممنوعة حتى الآن وبلغت 1248، بينها مؤلفّات لـ31 عضواً في الرابطة، و59 كتاباً منذ صدور القانون الجديد، أي بمعدّل كتابين أسبوعيّاً. وبين هذه الإصدارات «الملعونة» مثلاً، كتاب نائب رئيس هيئة الأوراق المالية السابق وهيب الشاعر «واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه» الذي يشرّح العلاقة العضوية بين مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن والثقافة، ويشير إلى أنّ آخر 10 سنوات من حكم الملك حسين الراحل كانت «سنوات تعثّر اقتصادي».
لكن يبدو أنّ هذه الحملة تشكّل صراخاً في بئر عميقة بالنسبة إلى دائرة المطبوعات والنشر. في حديث إلى «الأخبار»، أشار مدير الدائرة نبيل المومني إلى أنّه «بين 70 ألف عنوان تقريباً سنوياً، تم تحويل 5 كتب في 2007 إلى المحكمة»، محيلاً المنع إلى «أسباب فنيّة مثل تحديد اسم المطبعة وتاريخ الطبع. أما الباقي فلأسباب دينية كالمسّ بالذات الإلهية». وأشار هنا إلى كتاب «إنثيال الذاكرة» للناشر فتحي البسّ بأنه «الكتاب الوحيد الذي أحيل على المحكمة لأسباب سياسيّة». وبدا المومني عاتباً على الرابطة، لأنها «لم تسع إلى حوار لمناقشة القانون بكل صراحة». وتحدّث عن «فهم خاطئ للقانون، إذ ينص قانون المطبوعات على إيداع نسخة من الكتاب الصادر في الأردن في دائرة المطبوعات. أما الكتب التي تصدر في الخارج، ويتم إدخالها إلى الأردن، فتتم مراجعتها. وفي حال مخالفتها للقانون، يتمّ تحويلها إلى المحكمة».
من جهته، يعتبر فتحي البس الذي كسب أخيراً قضية كتابه، أنّ الدائرة «تتغوّل لأن الكتّاب لا يدافعون عن حقوقهم»، داعياً إلى إنشاء مؤسسة نظيرة للدائرة تدافع عمّن لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ومتهماً منصب مدير الدائرة بأنّه يحلّ «بمقام كل فئات المجتمع»، فالناس لا يشاركون في الحياة السياسية «لغياب المعلومات».
يبقى السؤال: هل تنجح فعلاً هذه الحملة في إحداث التغيير المطلوب؟ دائرة المطبوعات متمسكة بأنّ قانونها «عصريّ»، بينما تطالب الحملة بإلغائه من أصله، إذ إن «إكرام الميت دفنه» بحسب عبد الله حمودة.