الرباط ــــ محمود عبد الغني خصّص مختبر السرديات في كلية الآداب في الدار البيضاء ندوة لأعمال الروائي المغربي محمد عز الدين التازي. «اللغة والمجتمع وغياب اليقين في روايات محمد عز الدين التازي» شارك فيها 14 ناقداً، أغلبهم من الجيل النقدي الجديد المسلح بمناهج حديثة في تحليل النص الأدبي. كانت الندوة مناسبة لدرس مختلف أوجه الرواية عند التازي منذ باكورته «أبراج المدينة» إلى أحدث رواياته «أبنية الفراغ». وتوقف المشاركون عند تيمتي الواقعي والتخييلي في روايات التازي<، وما تنتجهما من دلالة أدبية وتاريخية، إضافة إلى محور الأسطورة، كما جاء في عرض الناقد عبد الرحيم جيران «البلاغي والأسطوري في رواية «زهرة الاس» أو تقابل العوالم». !--break-->
العالم الروائي للتازي هو عالم غياب اليقين والحوار بين الماضي والحاضر. ويظهر نصه باعتباره نصاً متشظياً في بنائه. ولذلك دور دلاليّ وفق الناقدة سلمى براهمة. تصدع البناء وتشظيه دليل على تصدع العالم والكائنات، وخصوصاً في رواية «فوق القبور تحت القمر» ذات البعد الأطروحي.
لم تفلت كلّ روايات التازي من غربال النقاد المشاركين، الذين طرحوا أسئلة نقدية عميقة حول نص التازي المتعدد. ما جعل تعبير «التازي كاتب التجريب» حقيقة لا مجرد تعبير أدبي فارغ. والتجريب كامن ليس فقط في لغة الرواية وبنائها بل في مضمونها وعوالمها السردية. ويبرز ذلك بقوة في روايتي «خفق أجنحة» و«أبنية الفراغ».
في نهاية اللقاء، تحدث عز الدين التازي عن تجربته الروائية الممتدة في مساحات التخييل الروائي، استهلها بأسئلة فلسفية: ما الذي يتغيّر في الإنسان وهو يغيّر جلدته كما تفعل الثعابين، أو وهو يغير لسانه ليتكلّم بلغة الوقت وبأصوات الآخرين؟ أو وهو يغير ما كان يقوله لنفسه في سرّائه وضرائه بقول آخر يتكيّف فيه مع الآخرين؟» ليجيب: «بلا شك، فإن الجوهري في ذات الإنسان يتغيّر بفعل تلك التغيرات، وحيث تتعرض الذات للتهتيك وفقدان مقوماتها كذات». وعن غنى وتعدد الرواية التي أنتج فيها التازي ما يفوق 20 عملاً، قال إنّ الرواية تتجدد باستمرار، ما يهيئ لجرأة خاصة على اقتحام الموضوعات التي تبدو محرّمة. وتلك الجرأة لا تتحقق إلا من خلال دخول الكتابة في عوالمها التي تنهض على محكيات الشخصيات التي تختلف عن بعضها في التجربة والمسار في دروب الحياة.
وفي النهاية أكّد أنّ الكتابة الروائية هي سؤال عن الوجود، في تضعيفاته وتحييناته في الأزمنة، وفي توسيع للزمن الروائي الذي يستوعب كل الأزمنة. وبهذا المعنى أيضاً، لا تغدو الرواية وثيقة، لأنها تخون البحث عن حقيقة الإنسان. تلك الحقيقة التي جاءت الأساطير وبعدها الأديان، لمحاولة توضيحها، ثم جاء العلم أيضاً لتوضيحها، لكنّها ما زالت عصيّة على التجلّي بوضوح.