بعين المراسلةالأجنبيّة، حلّلت الصحافية البرازيلية الملصقات الإعلانيّة السياسيّة، ونشرتها أخيراً في كتاب Advertised to Death... لكن هل نجحت فعلاً في فهم الواقع المركّب والمعقّد للمجتمع اللبناني؟
سناء الخوري
باولا شميت صحافيّة برازيلية ومراسلة «إذاعة فرنسا الدوليّة» في لبنان. عندما بدأت عملها في العاصمة اللبنانية قبل ستّ سنوات، اكتشفت متعةً جديدة، غير السير على كورنيش البحر الذي تعشقه. ملاحقة الملصقات الإعلانيّة السياسيّة اللبنانيّة كانت هوايتها المفضّلة. صوّرتها، وها هي توثّقها في كتاب بدأت فكرته كرسالة ماجستير في «الجامعة الأميركيّة» في بيروت، ونشرتها أخيراً بعنوان «نجوم الملصقات اللبنانيّة: الترويج للموت»Advertised to Death: Lebanese Poster Boys.
الصور والإشارات وما تضمره، مثّلت المحور الأساسي لكتاب شميت التي انطلقت من ملاحظة ميدانية: «أهداف اللوحات الإعلانيّة اللبنانيّة أبعد من البروباغندا السياسيّة (...) إنّها موجهة لتهديد واستفزاز الأخصام السياسيين، ومعروضة لتبيّن الخطّ السياسي الطاغي على منطقة ما، أو لتبيان طوائفها». لاحظت شميت، بعين المراسلة الأجنبيّة، أنّ الإعلانات الترويجية للأحزابالسياسيّة اللبنانيّة لا تتضمن أي إشارة لبرامج تنموية حقيقيّة، بل تسعى بغالبيتها إلى ما سمّته تأليه الأشخاص، وتحويل السياسيين إلى رموز، وعبادتهم. ويبدو أن «الباحثة» بدأت تتعلم التمييز بين المناطق، عبر البحث عن صور هذا السياسي أو ذاك، هذا الرمز الطائفي أو ذاك. لقد حددت مكانها تبعاً للعلم المرفوع فيه.
في الحقيقة، وجدت الصحافيّة في الملصقات الترويجية وسيلةً سهلة للانقضاض على منظومات فكريّة وعقائدية مركبة في المجتمع اللبناني، قد يصعب عليها فهمها. صيدها كان سهلاً. تشرّح أمامنا ما اعتادت أعيننا رؤيته، وتحاول البحث عمّا هو أبعد من الصورة والرمز والكلمة. مثلاً، «الفوارق بين الطوائف هي التي تميّز البروباغندا السياسيّة اللبنانيّة». الملاحظة العلميّة والمتجرّدة التي استقتها من ملصقات أحزابنا ــــــ قبائلنا المنتشرة في كل مكان، قد تبدو ساذجة لمن يعرف دهاليز السياسة اللبنانية وتركيبتها.
في المقلب الآخر، تجمع شميت ما توافر من شواهد على محاولات تحويل السياسيين إلى قديسين. مثلاً، تصوّر لنا ملصقاً يجمع بين صور لسمير جعجع والقديس شربل وبشير الجميّل، وإلى جانبها صورة لمريم العذراء والمسيح. كما تظهر صورة لسمير جعجع كتب عليها «ناسك الحريّة». في مكان آخر، تظهر الصور التي رفعت أثناء احتفالات انتصار المقاومة في تموز 2006 تحت شعار «نصر من الله»، إضافة إلى إسهابها في شرح سبب انتشار صور الخميني والخامنئي وما فهمته عن علاقة ذلك بـ«ولاية الفقيه». لم تبحث شميت أكثر في البعد الاحتفائي والتكريمي الذي يميّز انتشار صور الشهداء في الشوارع. ما رأته هو أنّ «الماورائيات» تمثّل مادّة رئيسية في الترويج السياسي.
هنا تشدد على سيطرة الرموز المتوفاة على معظم الملصقات، وما يحمله حضورها من تبجيل للوراثة: صور دوري شمعون ووالده، صور سعد الحريري ووالده، صور نديم الجميّل في الانتخابات الأخيرة التي تحيل إلى الشبه بينه وبين أبيه. تقول شميت في كتابها إنّه يكفي لشخص أن يموت في لبنان ليتحوّل إلى قديس، وتورد مثالاً على ذلك مشاهداتها لصور الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي يظهر فيها بين الغيوم، أو التي كتب تحتها «طائر الفينيق»، وتلفت إلى أنّ الملصق يروّج ـــــ بطريقة غير مباشرة ـــــ لفكرة أنّ الرجل لم يمت، أو أنّه قد يعود إلى الحياة. وتخلص الصحافيّة الأجنبيّة إلى أنّ هذه الصور تحتوي على بعد فيه الكثير من «التملّق والزبائنية عوضاً عن إظهار الشعبيّة».