مشاركة لبنانيّة في المهرجان المسرحي الشهير جنوب فرنسا، بدعوة من صاحب «غابات» الذي ترك وطنه الأم صغيراً في أوج الحرب الأهليّة
بيار أبي صعب
«نحن من جيل ولد مع نهاية حرب فييتنام، وتفتح على حرب لبنان (...). ونضج مع بداية الانتفاضة الفلسطينيّة، وتشظّت حياته على صخور ١١ سبتمبر. لم أنتبه، إلا في الخامسة والعشرين، إلى أنني أمضيت طفولتي في حرب أهليّة. قلت: «أنا لم أعش الحرب سوى 4 أعوام»، معبّراً عن إحساس بالذنب لأنني سلكت طريق الهجرة، خلافاً لسائر اللبنانيين الذين لم «يهربوا» (...). أليس مفترضاً أن يتمحور برنامج المهرجان، حول سؤال أساسي هو المجزرة؟».
الكلام للمسرحي اللبناني ـــــ الكندي وجدي معوّض، من إحدى رسائله إلى مديرَيْ «مهرجان أفينيون». كان ذلك خلال مرحلة الإعداد للدورة الـ63 من هذا الموعد المسرحي العريق في الجنوب الفرنسي الذي درج منذ ٢٠٠٤ على إشراك فنّان ضيف في تشكيل برنامجه. المهرجان الذي أطلقه جان فيلار (١٩٤٧)، عرف منعطفاً حقيقياً مع وصول أورتانس أرشانبو وفينسان بودرييه إلى سدّته، إذ بات أكثر شباباً، وانفتاحاً على الأشكال الجديدة، وانقطاعاً عن المركز الباريسي. الضيف الشريك هذا العام هو وجدي معوّض، وقد وضع مشاغله الفكريّة والجماليّة في صلب برنامج الدورة التي تمتدّ بين ٧ و٢٩ تمّوز (يونيو) المقبل.
يُفتتح «أفينيون» في باحة الشرف لـ«قصر البابوات» الشهير، بأعمال وجدي معوّض «ساحل» ـــــ «حرائق» ـــــ «غابات»... ثم تستكمل بـ«سماوات»، الحلقة الأخيرة التي أعدّت خصيصاً للمناسبة، من رباعيّته «دم الوعود». ويحتلّ لبنان مكانة مرموقة في البرنامج ـــــ للمرّة الأولى في البرمجة الرسميّة ـــــ في المسرح والرقص والموسيقى والسينما والفيديو والتجهيز.
هناك أوّلاً الثنائي ربيع مروّة/ لينا صانع الذي يبتعد في عمله الجديد Photo ـــــ Romance عن الجانب «التسجيلي» كما عوّدنا عليه، ليخوض في المجال الواقعي. العمل يستوحي فيلم إيتوري سكولا «يوم خاص»، عبر مواجهة بين «لينا» ربّة البيت المشغولة بهمومها المنزليّة وجارها «ربيع» المناضل اليساري المثلي الضائع في تحوّلات المرحلة... لم يبق سواهما في ذلك الشارع من الضاحية، إذ زحف الجميع إلى التظاهرة العملاقة ذات ٨ آذار/ مارس ٢٠٠٥. ويقدم مروّة وصانع بعض أعمالهما السابقة أيضاً في سياق المهرجان.
أما خليل جريج وجوانا حاجي ـــــ توما، فيقدّمان في إحدى الكنائس معرضاً تجهيزياً يستعيد تفاصيل الحياة اليوميّة في لبنان، عبر الصورة والفيديو وغيرهما. عنوان المعرض مستقى من حنّة أرنت التي تتحدّث عن الحقائق الصغيرة «كما الواحات في الصحراء». ويعرض خليل وجوانا عمليهما المهمين عن معتقل الخيام، كما تقدّم بشكل مواز بعض أفلامهما المعروفة، إلى جانب أفلام دانيال عربيد، وغسان سلهب، والفلسطيني إيليا سليمان...
نشير أيضاً إلى إطلالة يالدا يونس التي تقدّم عملها الفلامكنو «لا» على موسيقى من تأليف زاد ملتقى. الموسيقي البارز يحيي أمسية يقدّم فيها بعض مؤلفاته، ضمن سلسلة «الموسيقى المقدسة»، وفيها يجمع بين القوالب الشرقيّة والموسيقى الروحيّة، وأحدث ابتكارات الموسيقى المعاصرة. وهناك موعد مهمّ مع معلّم الفلامكنو الاسباني إيزراييل غالفان (أستاذ يالدا يونس) الذي يقدّم عرضاً مذهلاً هو «نهاية واقع الحال»، يرقص فيه على التوابيت ثم في داخلها، متخيّلاً «يوم القيامة»، انطلاقاً من القصف الإسرائيلي على بيروت صيف ٢٠٠٦.
على ذكر إسرائيل، نكتشف السينمائي عمّوص جيتاي خرجاً مسرحيّاً، مع «حرب أبناء الأنوار ضدّ أبناء الظلام» المستوحاة من رواية فلافيوس جوزيف لسقوط القدس بأيدي الرومان. يسائل جيتاي وضعيّة الشعوب المحتلّة، في إسقاط أكيد على الراهن الفلسطيني. وتعرض أفلامه أيضاً في تظاهرة موازية، إلى جانب بعض السينمائيين الاسرائيليين مثل آفي مغربي، ورونيت إلكابيتز و... آري فولمان. كما يعرض فيلم ميشيل خليفي وإيال سيفان المرجعي «الطريق ١٨١»، ويسجّل بعض وقائع رحلة غريبة في أعماق «فلسطين ـــــ إسرائيل» حسب تسمية المؤلّفَيْن.
www.festival-avignon.com