القدس ــــ مصطفى مصطفىقد يكون التمويل الأجنبي للمسرحيات الفلسطينية المعروضة أخيراً هو القاسم المشترك بينها. هذا التمويل يهمّه أن تكون كلّ مسرحية ــــ يدعمها مادياً ــــ حاملةً لقيمه «الحضارية». منذ فترة، نفّذ «الحكواتي» (المسرح الوطني الفلسطيني) بتمويل من «القنصلية الأميركية العامة» في القدس «مشروعاً» حمل عنوان «حكواتي في الحكواتي» لعرض قصص أميركية في مدينتي نابلس وأريحا. هكذا، لمجرد كون التمويل أميركياً، خلع الحكواتي الفلسطيني طربوشه الأحمر ليرتدي قبعة «الكاوبوي» ويحكي «حواديت» أميركية للأديب والمستشرق واشنطن ارفنج ومارك توين... «حواديت» لا تمت بصلة للثقافة الفلسطينية، بل أتت على حساب «الحواديت» والقصص الفلسطينية المُغيّبة تغييباً شبه تام عن المسرح.
ظاهرة التمويل الأجنبي لـ«مؤسسات المجتمع المدني» في فلسطين بدأت مع حقبة أوسلو عام 1993، وطالت أيضاً المسرح الفلسطيني على هيئة «مشاريع» و«منح» مالية. ولعلّ القول بوجود دفتر شروط تفرضه جهة التمويل ليس بعيداً عن الدقّة. إذ نستطيع ملاحظة ذلك من خلال ما يفرض على العمل المسرحي. فإذا كان الممول فرنسيّاً أو أميركياً، جاء نص العمل لكاتب فرنسي أو أميركي، أو وفقاً لجنسية الجهة الممولة. ليست المشكلة الحقيقية الاستعانة بنصوص وممثّلين أجانب، لكنّ ازدياد هذه الظاهرة زاد من شعور الجمهور الفلسطيني بالاغتراب... وخصوصاً أنّه قلما تتناول أعمال مسرحيّة الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني بما فيها من صراع مع الاحتلال والفساد. وبمعزل عن هذا الاغتراب، يتحكّم التمويل الأجنبي بالموضوعات والقيم السياسية والاجتماعية التي تقدّمها هذه الأعمال، ما أدى إلى إخضاع المسرح الفلسطيني وجعلهِ تابعاً للجهات التي توفّر التمويل. وفي وقت تكاد الأعمال المسرحية التي تقتبس من الأدب الفلسطيني تكون حدثاً نادراً، لا يتوانى بعض المسرحيين الفلسطينيين (بوعي أو من غير وعي) في تقديم أعمال «أجنبية التوجه»، ما دام الأمر يرضي ذوق المموِّل الأجنبي ويسهم في نشر «ثقافته»... وما دام الأخير يدفع لهم أجرهم.