بيار أبي صعبهناك مداخل كثيرة ممكنة إلى شعر عناية جابر، من خلال مجموعة «لا أخوات لي» التي صدرت الشتاء الماضي في القاهرة عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة». أوّلها بطبيعة الحال تقديم بسّام حجّار: «هذه المرأة (...) في مصاف الساحرات، سوف تبادلكَ طريقها وحلمَها (...) أنتَ حلمُها». ويمكنك أن تتعامل مع القصائد المختارة من مختلف محطات مسيرتها (1992 ــــ 2008)، كأنّها دليلك إلى سيرورة شعريّة غريبة وخاصة، ومدهشة كلّما أعدت اكتشافها، كونها لم تكن يوماً في صدارة المشهد الرسمي والمكرّس لقصيدة النثر. تكرّر إذاً ردّ فعلك القديم، وأنت ترى صاحبة «مزاج خاسر» متنكّرة في «دور غيمة أو ملاك»: سحقاً لنا، لقد غافلتنا هذه المرّة أيضاً! تستطيع كذلك أن تختلي بكل قصيدة على حدة، لتفاجأ بروابط ذاتية وحميمة تجمعك بها. عندها ستسترجع كلمات الراحل بسّام حجّار. حقّاً، لقد زرتَ هذا المكان من قبل، بل أقمتَ فيه طويلاً. هذه اللغة، ذلك البوح، تلك المرأة السريّة التي تقتصّ من العالم الخارجي، بأن تهادنه... من الزمن، بأن تتجاوزه... من القسوة، بأن تشهر «ضعفها»... من الجسد، بأن تبقيه فتياً وشبقاً ونهماً وخارج الجاذبيّة... من العاشق الذي «لم يحزر أنها ميتة»، بأن «تمرر اصبعها فوق اسمه وتمحوه»... من الكلمات القديمة، بأن تعيد اختراعها، تضيء خلاياها الحسيّة الدفينة.
خيط رفيع يفصل بين كتابة الفضيحة (وهي ممكنة في النهاية، المزعج أن تصبح هي القاعدة)، وكتابة البوح الوجودي التي تعلن التمرّد من داخل اللغة، من باطن القصيدة، من قلب الجرح. المتعويّون أفراد مجروحون أساساً، يسألون دائماً السؤال نفسه: «هل يبدد العناق/ هطول المطر؟».