لكلّ سنة موضتها... وهذا العام، ترنو الدراما السوريّة إلى المسلسلات الاجتماعية، وتحديداً تلك التي تعالج العشوائيات. ما الذي حصل؟ ولماذا لم تعد الأعمال التاريخية تتسيّد الشاشات العربية كما كان يحصل في كل موسم رمضاني؟
إيمان الجابر
بدأت ملامح الموسم الدرامي السوري لعام 2009، تتضح من خلال ما أنجز وما هو قيد الإنتاج. وبجردة بسيطة، نكتشف أنّ هناك انحساراً واضحاً للدراما التاريخية وسيطرة كاملة للأعمال الاجتماعيّة. المسلسل التاريخي الوحيد الذي يصوّر الآن في سوريا هو «صدق وعده» للمخرج محمد عزيزية. هذه الدراما التي تواجه اليوم تراجعاً في إنتاجها، كانت الأساس في خلق السمعة الجيدة للدراما السورية، يميّزها تحرّرها من المتحفية التي وصمت سابقاً العمل التاريخي العربي.
هكذا، جاءت لتمنح الحياة للمادة التاريخية الجامدة، فصارت الشخصيات تتحرك عفوياً في الأمكنة المفتوحة (صحارى، جبال، سهول...) ورأى المشاهد بشراً حقيقيّين يعيشون بملابس بسيطة تناسب حياتهم غير المعقدة... فما الذي حدث اليوم؟ هل تعب السوريون من المسلسلات التاريخية؟ أم أنّ الكلفة المرتفعة لهذه الأعمال والأزمة المالية العالمية هي سبب هذا الانحسار؟ هل تُملي المحطات العربية على المنتجين ما يجب تنفيذه فصارت تفضّل التركي والاجتماعي بعدما كانت الأعمال التاريخية تتسيّد الشاشات العربية في كل موسم رمضاني؟ فراس الدباس المدير العام لشركة «سورية الدولية» التي أنتجت أعمالاً تاريخية كبيرة مثل «الزير سالم» و«الناصر صلاح الدين» والثلاثية الأندلسية («صقر قريش»، «ربيع قرطبة»، و«ملوك الطوائف» وجميعها من إخراج حاتم علي) يبرّر توجّه الشركة لإنتاج الأعمال المعاصرة بأنّ «التأني والدقة في اختيار المواضيع هما السبب في عدم إنجاز أي عمل تاريخي». أما الجزء الأخير من السلسة الأندلسية «آخر أيام غرناطة»، فيعود التأخر في إنجازه إلى انشغال الكاتب وليد سيف. وفي ما يخص الدراما الاجتماعية، فـ«الشركة كانت معنيّة دوماً بإنجاز أعمال معاصرة تطرح قضايا جادة وهامة. نحن نقدّم الاجتماعي المعاصر والتاريخي والكوميدي والشعبي. المهمّ أن يتوافر النص الجيد أولاً».
الكاتب والناقد حسن م يوسف يرى أنّ المشكلة المالية العالمية لعبت دوراً في انكماش الإنتاج الدرامي التاريخي في سوريا لأنّه الأكثر كلفة، وعرضه يتوقّف على التوجّهات السياسية للمحطات. «كما أنّ محطات كثيرة ما زالت تشتري الدراما بالكيلو، بغض النظر عن النوع الفني ومستوى الإنتاج». وفي ظل هذه الظروف، بدأت شركات الإنتاج الخاصة بالبحث عن نصوص اجتماعية لا تجازف فيها برأسمال كبير، كي تتمكن من الاستمرار في الإنتاج. وعن إمكان حدوث تغير في مزاج المتلقي العربي الذي أصبح يفضّل الأعمال التركية والاجتماعية على الأعمال التاريخية التي يرى بعضهم فيها، هروباً من الواقع المعاصر والخطوط الحمر، يوضح يوسف «الأعمال التاريخية ليست كلاً متحداً ومنسجماً، بينها أعمال عميقة وجادة وأخرى ضحلة». أمّا حاتم علي الذي ينتظر وليد سيف لينهي كتابة «آخر أيام غرناطة»، فيعتقد أنّ العمل التاريخي لا يكتسب مشروعيته إلا من خلال الأسئلة الراهنة التي يطرحها. بالتالي، فمعاصرة العمل الفنّي لا علاقة لها بزمن وقوع الأحداث. «قد نشاهد عملاً تدور أحداثه في الزمن المعاصر، لكن ما يطرحه من أفكار ينتمي إلى العصور الوسطى. وفي المقابل، هناك أعمال تدور أحداثها في زمن مضى لكنّها من خلال الأفكار التي تطرحها، تبدو كأنّها تنتمي إلى المعاصرة». ومن هنا يؤكد حاتم علي أنّ العودة إلى التاريخ ليست هروباً من استحقاقات الواقع «أنا شخصياً عندما أرجع للتاريخ ولا أعود إليه بنظرة انتقائية كما قدّم سابقاً في الدراما العربية، لأنّي أعتقد أنّ التركيز على الصفحات البيضاء في التاريخ العربي أسهم أحياناً في زيادة التطرف، لأنّه يضع المشاهد أمام ماض مليء بالانتصارات والبطولات مقابل واقع راهن مثقل بالهزائم».
«العمل التاريخي يحتاج إلى نفس طويل» هذا ما يقوله أديب خير مدير شركة «سامة للإنتاج الفني». وهو لا يعتقد أنّ هناك انحساراً للدراما التاريخية، لكنّ المشكلة تكمن في آلية الإنتاج. يقول: «الإنتاج السوري الخاص قائم على ركائز ضعيفة. هناك شركتان أو ثلاث لديها خطط إنتاجية سنوية وما بقي محاولات فردية لأشخاص يعملون منتجين منفذين يقدمون تجارب معينة ويحاولون فيها البحث عن الربح».
في المحصلة، نستشف أنّ الواقع الإنتاجي للدراما السورية يقوم على الارتجال ويُستثنى عدد محدود من الشركات التي تملك استراتجية لِما ستقدمه في العام المقبل وتكلّف كتاباً لإنجاز مشاريعها. كذلك، ثمة مشكلة حقيقية تواجه الدراما السورية وهي... الموضة. وهذه السنة، هي سنة المسلسلات الاجتماعية، وتحديداً تلك المعنية بمناطق العشوائيات.


تزوير درامي

الفنانة سمر سامي (الصورة) ترى أنّ معظم مَن يتصدى لكتابة التاريخ لا يمتلك ثقافة تؤهله الخوض في غماره. تقول «التاريخ المكتوب فيه الكثير من التزوير ويحتاج إلى جهود وموهبة في البحث والتنقيب وإعادة صوغه درامياً وفنياً حتى يقترب من الحقيقة. كما يفعل الكاتب وليد سيف وكما فعل الراحل ممدوح عدوان. لكن ما يجري أحياناً هو تقديم مجرمي الحرب على أنهم أبطال بل إضفاء مسحة من القدسية على سيرتهم. هذا ما يجعل المتلقّي غير مصدق لكل هذا التاريخ المعقم، فيعزف عن مشاهدته. إنّ تعقيم الشخصيات التاريخية وعدم تقديمها بموضوعية، فيه غش وتضليل للمتلقي»