بيار أبي صعبنترقّبها في بيروت من زمن بعيد. والفنانة التونسيّة ترنو، منذ سنوات، إلى المدينة التي تربطها بها علاقات خفيّة. رجاء بن عمّار وصلت أخيراً، بفضل الممثلة رندا أسمر المشرفة على أسبوع ثقافي يقترن باسم سمير قصير (راجع مقالة أخرى في الصفحة). قد لا يعرف كثيرون أنّ سمير بدأ حياته المهنيّة ناقداً مسرحيّاً... ومنذ الثمانينات في باريس، تابع ما كتب عن المسرح التونسي، وعن «مسرح فو» تحديداً... ذلك الذي أطلقته رجاء عام 1980 مع رفيق دربها المنصف الصايم (وآخرين استقلوا بتجاربهم لاحقاً مثل توفيق الجبالي). لقاء متأخر إذاً، بين سيّد الاحتفال البيروتي الغائب الحاضر، والفنانة الشاملة التي اتخذت من فنون الفرجة أداة للتمرّد والاحتجاج.
رجاء بن عمّار اسم أساسي في المسرح العربي الذي تحتل التجربة التونسيّة منه موقعاً طليعيّاً. ما زلنا نذكر تلك الدهشة في «قرطاج»، حيث اكتشفناها ذات يوم من خريف 1986، مع المنصف الصايم في مسرحيّة «الأمل». ملاكم خائب وراقصة محبطة يتبارزان ليلاً في المقهى المقفر الذي يديرانه. بدت كأنها فوق حلبة ملاكمة، وما زالت كذلك إلى اليوم. جعلت من الجسد ـــــ النصّ، الحجر الأساس في عمارتها المشهديّة. من «ساكن في حي السيّدة» (1989) إلى «بيّاع الهوى» (1995) و«فاوست» (1997) مسيرة نادرة أساسها الفرجة، وقودها التداعيات: وسيلة الهروب الوحيدة من هذا العالم المقفل. في عام 2001 قدّمت «وراء السكّة» في محطة قطار مهجورة، مع مجموعة من الهامشيين والعاطلين والخارجين على القانون. وفي مونودراما «هوى وطني» (2005) أعلنت مباشرة، على طريقة الـRAP، غضبها العارم من الانحطاط العربي.
رجاء التي احتفلت قبل أسابيع بإعادة افتتاح مسرحها («مدار») في قرطاج، تأتي إلى بيروت بتجربة من نوع خاص: تجهيز مسرحي عنوانه «بوابة النجوم»، قدمته في قصر «النجمة الزهراء»، مع السوبرانو عليا سلّيمي، وأعادت صياغته ليتلاءم مع فضاء «الدوم» بعنوان جديد هو «الفقّاعة». نوع من «المسرح ـــــ الزيّاح»، حيث التطواف يمحو الحدود بين المشاهد والفنانين: 15 ممثلاً وراقصاً ومغنياً في احتفال طقوسي، على شكل سمفونيّة بصريّة وحركيّة، تقول هواجسنا الجماعيّة وآمالنا المهدورة.


* مع زاهي وهبي في «خليك بالبيت»، «المستقبل» 16/ 6
** «الفقاعة» تجهيز مسرحي: ١٨/ 6 ـــ التاسعة ليلاً في «الدوم»، وسط بيروت