دمشق | في إحدى حدائق دمشق، بدأت كاميرا المخرج سمير حسين بالدوران صباح أوّل من أمس، معلنةً انطلاق تصوير «بانتظار الياسمين» (تأليف أسامة كوكش، وإنتاج abc). وفق الشركة المنتجة، فإنّ المسلسل يسلّط الضوء على الإنسان السوري، وينقل لنا تفاصيل حياته ومعاناته اليومية وقصص حبه وتضحياته، وتأثير الحرب ومجرياتها عليه. كما يتناول مهجّري الحروب أينما كانوا، فالظروف دوماً متشابهة والصعاب لا تتغيّر باختلاف المكان والزمان. والمكان هنا هو حديقة صغيرة، نزحَ إليها مهجّرو حرب، هرباً من مناطق ساخنة ما عادت سبل العيش ممكنة فيها. يفترش هؤلاء أرض الحديقة التي أصبحت عنواناً موقتاً لإقامتهم بعدما خسروا كل شيء. بعض المارّة سيشاركونهم بؤسهم، ويتعاطفون معهم ويحاولون تقديم أي شيء تجود به إنسانيتهم الجريحة فيما يستيقظ الشيطان لدى آخرين منهم، مدفوعين برغبة في استغلال ظروفهم كمهجرين.
الكاتب أسامة كوكش صرّح لـ «الأخبار» بأن فكرة المسلسل ولدت مّما مشاهده «خلال هروب الناس من المناطق الساخنة في بداية الأحداث، حيث كانوا ينامون في الحدائق، وعلى الطرقات والأرصفة، قبل أن تنظم الدولة استقبالهم في مراكز الإيواء. حالة من التعاطف الانساني دفعتني للتقرب من أولئك المهجرين للبحث عن سبل لمساعدتهم على تحمل ظروفهم، كما فعل كثيرون غيري، هذا التقرب رافقته أحاديث بوح وشجن.»
واستغرق العمل على نص «بانتظار الياسمين» قرابة عامين، بدأ بملاحظات كان كوكش يدونها بعد لقائه المهجرين: «تلك الملاحظات كانت عشوائية تخلو من التركيز، لأني كنت أكتبها تحت التأثير العاطفي لذلك البوح، واستغرق مني تنظيمها، وقتاً سبق كتابة النص. وكذلك عملت عليه عاماً آخر من خلال ورشات عمل مشتركة ضمت إدارة الشركة المنتجة abc (عدنان حمزة ورنا حلاق)، والمخرج سمير حسين، لتطويع العمل، حتى يصبح قابلاً للانتشار عبر محطات التلفزة في العالم العربي، بمعنى التركيز على الحالة الانسانية، والاجتماعية لأولئك المهجرين.»
وختم كوكش حديثه: «لمن يسأل؛ هل شخصيات (بانتظار الياسمين) وشخصياته حقيقية؟ أقول له نعم، وما زلت أحتفظ بأسماء هؤلاء الناس، والأماكن التي نزحوا منها ضمن ملاحظاتي المكتوبة، وأنا واثق أنّه عندما تنتهي الحرب، سنسمع أحداثاً جرت أشد هولاً مما هو موجود في العمل». تلك الشخصيات التي قد نصادفها في أيّ مكان من سوريا اليوم، ستقفز إلى الشاشة هذا الموسم.
يروي المسلسل الضخم يوميات العائلات السورية التي هجّرتها

لن يكون مرورنا بها عابراً أو ضمن نشرات الأخبار، بل ستكون بطلة عمل تجسّد شخصياته نخبةٌ من أهم نجوم الدراما السوريّة على غرار سلاف فواخرجي، وغسان مسعود، وصباح الجزائري، وشكران مرتجى، وأيمن رضا. سيلعب هؤلاء أدوارهم ضمن الظروف الحقيقية، وسط تقلبات طقس الشتاء القاسي في الشام. إذ سيتمّ تصوير جزء من أحداث العمل، في حديقة أُعدت خصيصاً لهذا الغرض. يقول عدنان حمزة رئيس مجلس إدارة شركة abc لـ «الأخبار» بأنّ هذا العمل «يستمدّ عناصر قوتّه من محاكاة الواقع والصور الإنسانية المؤثرة التي ينقلها عن معاناة الإنسان السوري جرّاء الحرب، إلى جانب مشاركة نجوم سوريين مهمّين فيه». وأكّد حمزة أنّه سيقدم المسلسل الذي سيعرض في رمضان «باتجاه إنسانيّ تماماً، بعيداً من التجاذبات السياسية لتسليط الضوء على المعاناة اليومية للإنسان السوري وتأثير الحرب في طبعه وأفكاره ومسارات حياته. كل ذلك من زاوية المهجرين الذين عاش كثيرون منهم في الحدائق وعانوا كثيراً ليس بسبب ظروف إقامتهم فحسب، بل أيضاً بسبب الذين استغلوا ظروفهم، رغم أنّهم خسروا كل شيء. في المقابل، هناك سوريون بقيوا في بيوتهم، لكن الجدران التي يأوون إليها لم تمنع تأثّرهم بالحرب. تلك التأثيرات طاولت العلاقات في ما بينهم، على مستوى العائلة، والمحيط، وهذا ما يتطرّق إليه المسلسل أيضاً».
ونوّه حمزة إلى أنّ ما يطرحه هذا العمل «يطاول العرب عموماً وفي أكثر من مكان في العالم العربي. ما حصل في سوريا، واجهته الكثير من الدول العربية بطريقة أو بأخرى وإن بدرجات متفاوتة على غرار ليبيا، وتونس، ومصر، واليمن حيث الصور، والقصص متشابهة في ما بينهم. وبالتالي لا أعتبر العمل سوريّاً خالصاً في توجّهه، بل إنّه عمل يصّور في سوريا بمشاركة نجوم سوريين، لكنّه يعبّر برأيي عن الواقع العربي بشكل عام». الشركة المنتجة قرّرت إنجاز هذا العمل «الضخم» وتسويقه في المنطقة العربية. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ تعتزم abc تكثيف حلقات «بانتظار الياسمين» لتقديمه عالمياً عبر سبع حلقات مترجمة أو مدبلجة إلى لغات عدّة والمشاركة به في مهرجانات عالمية مثل مهرجان «إيمي». وترمي هذه الخطوة إلى «نقل الصور الإنسانية ومعاناة الإنسان السوري إلى العالم، وما تعرّض له جراء هذه الحرب. وهذا يمكن أن يحقق تعاطفاً مع هذه المعاناة أكثر من مشاهد الذبح المتداولة عبر الإنترنت، وفي النشرات الإخبارية» وفق ما يقول عدنان حمزة مختتماً حديثه لـ «الأخبار».
باختصار، «بانتظار الياسمين» مسلسل سوري قد يكون من أضخم الأعمال الدرامية التي ستنتج هذا الموسم، ويضمّ على قائمة أبطاله أيضاً: نادين خوري، ومحمد حداقي، وأحمد الأحمد، ومحمود نصر، وسامر اسماعيل، ومحمد قنوع، ومرح جبر، وخالد القيش وآخرين.




الأمّ الهاربة

تؤدي سلاف فواخرجي في مسلسل «بانتظار الياسمين» شخصية لمى التي تلخصّ مع طفليها حكاية أيّ حرب. إذ خرج زوجها ليشتري ربطة خبز، ولم يعد. أما لمى، فقد هربت من منطقة ساخنة كانت تقيم فيها إلى الحديقة، وأصبحت بلا معيل ومن دون أهل، وليس لديها أحد إلا الأمل بعودة الزوج (تيم) إليها وإلى طفليها سهيل ونور. ولا تنتهي آلامها عند هذا الحد، بل تبدأ حكايتها من هنا، في زمنٍ يسوده الشقاء والاستغلال.