غزة | شكّلت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزّة انعطافة في مسار المواجهة الإعلامية. اشتغل الفلسطينيون على بناء منظومة إعلامية قادرة على اختراق صفوف العدو وتثبيط معنوياته، والأهم فضح زيف الروايات الإسرائيلية. كل هذه العوامل فتّحت الذهنية الصحافية الفلسطينية على التقاط أشكال التضليل الصهيوني، وكّرست وعياً جديداً حول آليات اجتياز أساليب المواجهة بنجاح.
أول من أمس، تسربل الناطق الإعلامي باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، بـ”الإنسانية الفائضة” من أجل خطب الودّ الفلسطيني. هكذا، نشر صورةً تظهر مسنّة غزيّة مع جندي إسرائيلي مقاتل “رقّ قلبه” عليها، فمنحها شربةً من الماء. هذه الصورة التي انتشرت كالنار في الهشيم على الفضاء الفايسبوكي، بعدما أرفقها أدرعي بتعليق “الصورة تتكلّم أفضل من ألف كلمة”، رافقها لغط كبير دفع كثيرين إلى مشاركتها من دون الاستدلال على صدقيّتها.

ورغم أن هذه الصورة تأتي ضمن سلسلة صور “مؤنسنة” دفع بها العدو أخيراً إلى الإعلامين التقليدي والبديل لكسر حاجز العداء بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتلميع صورة جيشه بعدما خسر معركته أخلاقياً وعسكرياً في القطاع، غير أنّها عادت بأثر عكسي على أدرعي والمتصهينين. إذ نجحت الصحافة الفلسطينية أخيراً في القفز من دور المتلقي إلى المبادر والفاعل القادر على رصد الخطاب الصهيوني ودحضه بالحقائق والوثائق. أثارت تلك الصورة حنق الصحافيين الغزيين مثنى النجار وأحمد قديح اللذين سارعا إلى فضح زيف أدرعي الذي يحاول بشتّى الطرق التودّد إلى الفلسطينيين والعرب عبر العزف على الوتر الديني وتحويل التهنئة بأعيادهم الإسلامية والمسيحية إلى روتين معتاد على صفحته على فايسبوك.
صورة نشرها أدرعي لتبييض صفحة الاحتلال الاسرائيلي

النجار وقديح فتحا كوّة في جدار التضليل الصهيوني، بعدما نشرا جملةً من الحقائق المرتبطة بتلك الصورة، خصوصاً أنّهما وثّقا حكاية هذه المرأة خلال الحرب الأخيرة على القطاع. وتحيلنا الصورة بحسب الصحافيين على جريمة قتل متعمّد اقترفها الجنود بحقّ المرأة الستينية غالية أبو ريدة. لكن العدوّ سعى على نحو محموم إلى ترسيخ أكذوبة فصله بين المدنيين والعسكريين بالترويج لتلك الصورة التي التقطها قبل وقت وجيز من إعدام المرأة ميدانياً بالرصاص.
غير أنّ الصحافيين برهنا بصور وتقارير طبية أن الشهيدة التي كانت تعاني من إعاقة بصرية وحركية، تم جرّها من المنزل إلى الخلاء، وتصفيتها تحت شجرة زيتون في بلدة خزاعة شرق خان يونس (جنوب القطاع) بعدما ارتشفت شربة ماء على يد أحد الجنود الذين قتلوها. هذه البلدة التي شهدت سلسلة من الإعدامات الميدانية كانت شاهدة أيضاً على مقتل أبو ريدة بدم بارد.
إذ عثر أهالي البلدة على جثتها الهامدة بعد أيام من اقتراف الجريمة.
بذلك، نجح الصحافيان الغزّيان في إماطة اللثام عن هذه اللعبة الصهيونية التي نشطت أخيراً جرّاء تلويح السلطة بمحاسبة مجرمي الحرب، بعد توقيعها على ميثاق روما والانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية. كما تمكّنا من توجيه ضربة قاضية لأدرعي والصهاينة بطريقة مهنيّة مقنعة، بدلاً من الاستعراض الهجومي الشكلاني الذي كانت تقود دفّته مذيعة “الجزيرة”، غادة عويس، عند استضافتها أدرعي وزجره على نحو مصطنع ومتكلّف خالٍ من أيّ أثر نفعي يعود على الفلسطينيين القابعين تحت النيران.