بيار أبي صعبحين جاءت غادة عيد بـ«شاهدها الملك» إلى الحلقة الماضية من برنامج «الفساد» على تلفزيون «الجديد» لتتهم النائب إبراهيم كنعان بشراء الأصوات الانتخابيّة (والأنكى من ذلك، عدم دفع ثمنها!)، كانت تخوض مقامرة فظيعة، أشبه بقصّة الدكتور فاوست الشهيرة. كلنا يعرف بطل غوته ومارلو الآتي من الحكاية الشعبيّة الألمانيّة، الذي باع روحه للشيطان ميفيستو من أجل أمجاد فانية. فماذا عن بطلة مواجهة «الفساد» في المشهد الفضائي اللبناني؟ هل جاءت بنبيل الفلا بحثاً عن السبق الإعلامي بأي ثمن؟... هل فعلت ذلك مدفوعة بنيّة طيبة هي كشف الفساد السرطاني الذي ينخر الحياة السياسية اللبنانيّة؟... أم أنها، لسبب لا نعرفه (زيارة إلى بلديّة الجديدة لطلب رخصة تغيير ديكور مكتبها، مثلاً، كما صرّحت لـ«السفير»)، ارتمت فجأة في أحضان المستنقع الآسن الذي تدّعي فضحه ـــــ كما يؤكد اليوم منتقدوها ـــــ تاركة لجهات سياسية أن تستعملها بطريقة مزرية في نهاية الأمر؟... مهما كان الدافع إلى تلك المبادرة التعيسة، فإن النتيجة تبقى نفسها: الإساءة إلى الديموقراطيّة وحريّة الإعلام وأخلاقيّاته، واحتقار الرأي العام، والمضي في اللعبة السياسيّة إلى مزيد من الابتذال والإسفاف في وطن الكرتون والشعارات الجوفاء، ودولة الأوبريت ومكائدها المضحكة ـــــ المبكية.
إذا كان دعاة الإصلاح وإعادة بناء المؤسسات على صورة بارونات الفساد وأساطينه التقليديين ومافياته، في هذه الجمهورية المجيدة التي ابتلعت فضيحة «بنك المدينة» من دون أن يرفّ لها جفن، فجمعينا مهتمّون باكتشاف هذه الحقيقة المفجعة. لكن، لا بدّ من أن يتحلّى الإعلامي الذي يتنطّح لمهمّة خطيرة من هذا النوع بأبسط قواعد المهنة وأخلاقياتها. هل يجوز لبرنامج مهم على التلفزيون أن يعطي الكلام لأيّ كان، كيفما اتفق، باسم «ديموقراطية الإعلام»، من دون القيام باستقصاءاته وتحرياته، والتعامل مع الشهادة الخطيرة التي يقدّمها بحدّ أدنى من الصدقيّة والتدقيق والنقد؟ هل يحقّ لنا أن نأتي من الشارع بأول شخص يدّعي امتلاك حقائق فاضحة، فنضعه أمام الكاميرا بلا حسيب ولا رقيب، ونتركه يعيث في المشهد الإعلامي فساداً؟ تلك هي غلطة الشاطرة غادة عيد التي نتمنّى أن تعتذر عنها هذا المساء في حلقتها على «الجديد».
أما الباقي، فلا نريد أن نصدّقه. فكما أننا لم نصدّق ما قاله نبيل الفلا لغادة عيد عن إبراهيم كنعان قبل أسبوع، فإننا ـــــ حتى إشعار آخر ـــــ لا نريد أن نصدّق ما عاد فقاله هذا المواطن المسكين الذي يثير الشفقة، أول من أمس على Otv، من أنّ الإعلاميّة المذكورة تعمّدت تلفيق الشهادة ضد كنعان، ولقّنته مونولوغه الغاضب «برفقة سيّدة أخرى» في أحد مقاهي الأشرفيّة. لعبة «الشاهد الملك» سيف ذو حدّين: يا أهل الجمهوريّة الثانية ألم تتعظوا من مهزلة الصدّيق؟


برنامج «الفساد»، الليلة عند التاسعة والنصف على «الجديد»