القدس عروس عروبتكم أهلاً... في رام اللهالقدس ــ نجوان درويش
«الأسبوع الثقافي الأردني في فلسطين» الذي يبدأ غداً ويستمرّ حتى 30 الجاري، يطرح جملة تساؤلات. للمرة الأولى، يجري «أسبوع ثقافي أردني» في فلسطين المحتلة. حتى بعد «اتفاقية أوسلو»، لم تنظَّم أسابيع ثقافية أردنية ولا عربية في فلسطين. حدثت زيارات لفنّانين عرب بقنوات مختلفة، وسرعان ما انحسرت لأسباب شتى. لكن لنضع جانباً التساؤلات الجذرية عن الإدارة الفلسطينية والأردنية والعربية عموماً لمسألة «القدس عاصمة للثقافة العربية 2009» التي يندرج هذا الأسبوع ضمنها؛ وإن كان «الأسبوع الثقافي الأردني» نموذجاً على التعاطي مع مناسبة «القدس 2009» وعجزها عن الخروج من الخطاب الفولكلوري.
المفارقة ظاهرة للعيان: «الأسبوع الأردني» الذي يندرج ضمن «القدس عاصمة الثقافة العربية ــــ 2009»، لا يستطيع الوصول إلى القدس! بل إنّه يقام في رام الله وبعض المناطق الأخرى ضمن «أراضي السلطة الوطنية» (بيت لحم والخليل وجنين). برنامج «الأسبوع الثقافي» يتحدث بطريقة مموّهة عن فعالية «تقام في ضاحية البريد بالقدس» في اليوم الأخير للزيارة، فيما يقع هذا الحي اليوم «خارج» القدس، وهو معزول عنها لجهة رام الله بسبب جدار الاحتلالقد تكون الذريعة أنّ الاقتصار على «أراضي السلطة الوطنية» وعدم بلوغ القدس يهدف إلى تجنّب أي اعتراف بسلطة الاحتلال وعدم تطبيع احتلاله (علماً بأن النظام الأردني اعترف وطبّع من زمان). لكن أليست رام الله أيضاً محتلّة؟ أليست كل «أراضي السلطة الفلسطينية» التي تستقبل «الأسبوع الأردني» ــ وهي تمثّل 4% من مساحة فلسطين ـ محتلّة أيضاً؟ وهذا ليس سرّاً، فمعظم الفضائيات العربية التي تبث من «عاصمة» أراضي «السلطة الفلسطينية» تُنهي تقاريرها الإخبارية بـ«من رام الله المحتلة».
صحيح أنّ هناك «مؤسسات» و«أجهزة أمنية» تابعة للسلطة الفلسطينية ووزارة ثقافة، لكنّ السلطة الفعلية هي سلطة الاحتلال، ولا يمكن دخول أراضي السلطة الفلسطينية إلا بموافقتها. ووفد «الأسبوع الثقافي الأردني» لن يصل إلى فلسطين تسلّلاً، ولا بفتحة في الحدود ستشقّها له الدبابات. الوفد الأردني سيدخل أراضي السلطة الفلسطينية بتصاريح إسرائيلية. وإذا كان أعضاء الوفد ـ وهو بالمناسبة وفد حكومي أكثر منه وفداً ثقافياً ـ قد تجاوز حاجز التصريح الإسرائيلي، فلماذا لم تتجاوز رحلتهم «أراضي السلطة»، بما أنّ الرحلة تتخطى في كل الأحوال الإجماع العربي على عدم زيارة فلسطين ما دامت محتلّة. أليس ذلك التعفّف أشبه بحرص على «احترام» اتفاقية أوسلو التي قد تُعَدّ أسبوعاً ثقافياً أردنياً في القدس المحتلة ــ أو حتى حيفا المحتلة ـ «تجاوزاً» لـ«اتفاقيات السلام» و«مساساً» بها؟
الإجماع العربي، خصوصاً إجماع المثقفين، على رفض زيارة فلسطين، وهي تحت الاحتلال، أو زيارتها بتصريح منه ــ وبغض النظر عن الموقف منه ـ تنبغي مراجعته، عوضاً عن حالة الشيزوفرينيا العربية والفلسطينية في التعامل معه الآن، وحتى لا يبقى مفهوم التطبيع بلا محددات. في المقابل، ينبغي فحص حجج وسياقات زيارة فلسطين تحت شعار «التضامن مع الإخوة الفلسطينيين»، والحجة الرائجة هذه الأيام من بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية الذين يكررون على مسامع الجميع جملتهم المفضّلة: «زيارة السجين لا تُعَدّ تطبيعاً مع السجان»، علماً بأن تلك الجملة، على طلاوتها، تحمل تسطيحاً لقضية سياسية كبرى لا تعالج بالأمثال الساذجة والمقولات الاختزالية والتلاعب بالكلمات.
من جهة أخرى، تبدو ظاهرة ترسيخ القطريات الثقافية عربياً، أكثر ضرراً وتعسّفاً من غيرها عند الحديث عن فلسطين والأردن. عمليّاً، يصعب الفصل بين «الثقافة الأردنية» و«الثقافة الفلسطينية» لنقيم أسابيع ثقافية لإحداها في بلد كما لو أننا نتحدث عن بلدان أجنبية. في الأمر تجاهل لفكرة أن ثقافة واحدة تجمع هذين الإقليمين المترابطين من بلاد الشام، وأنّ مجتمعاً واحداً عاش في «الضفتين» قبل المشروع الصهيوني، وسيبقى بعد تفكيك هذا المشروع وغياب كابوسه عن المنطقة العربية.
وبغض النظر عن الواقع السياسي العربي المتعلق بوجود الدولة القطرية، شئنا أو أبينا، والمواقف السياسية من الأنظمة؛ فأشكال التقارب الثقافي الرسمي العربي ينبغي أن تراعي وحدة التاريخ الثقافي والجغرافي، ووشائج القربى التي تجمع بين «شعوب» الدول العربية. بين الأردن وفلسطين، روابط حقيقية نابعة من التاريخ المشترك ثقافياً واجتماعياً وحتى سياسياً في جزء منه... ولا يقف الأمر عند تكوين الشخصيات الثقافية في البلدين. وإن كانت إقامة «أسبوع ثقافي فلسطيني» في الأردن قد تُبرَّر من باب أنّ الأردنيين لا يستطيعون الوصول إلى أرض أشقائهم في فلسطين، وضرورة حماية الهويّة الفلسطينية من المخطّطات الصهيونية المتجددة لمحوها، ما يجعل المبالغة في إبراز الهوية الفلسطينية مفهومة بأنها نوع من الرد على هذه المحاولات. أما «أسبوع ثقافي أردني في فلسطين»، احتفالاً بالقدس وهي محتلة، فوقعه يشبه الإعلان عن «أسبوع ثقافي سوري» في هضبة الجولان المحتلة!