بيار أبي صعبذات يوم من 2003، كان Gad El Maleh ضيفاً على برنامج منوّعات في التلفزيون الفرنسي. مقدّمه تييري أرديسون وضع ليلتها التونسي توفيق المثلوثي الذي أطلق مشروب «مكة كولا»، في مواجهة المحامي الصهيوني جيل ـــ وليام غولدناديل. اشتعل نقاش حاد بين العربي المدافع عن فلسطين، والصهيوني الذي يلامس حدود العنصريّة. جاد المليح ـــ إذا شئنا إعادة الاسم إلى لغته الأم ـــ بقي مذهولاً أمام تلك «الخناقة». لم ينبس ببنت شفة، فقد جاء إلى البرنامج مروّجاً لـ«شوشو» فيلمه الثاني مع مرزاق علواش، المخرج الجزائري الذي أطلقه في السينما مع «سلاماً يا ابن العمّ» (1996).
ذلك الصمت كلّفه غالياً. طوال أسابيع، صبّ إعلام الجالية اليهوديّة (في جزئه المتصهين) جام غضبه على «الابن العاق الذي خان طائفته». نعم جاد يهودي، لكن ذلك ليس سبب الضجّة حول مشاركته بعد أيّام في «مهرجانات بيت الدين». الكوميدي المشهور نشأ في المغرب في كنف أبيه التاجر الذي يهوى فنّ الإيماء، وهو يعدّ نفسه مغربياً. ثم سافر إلى مونتريال قبل أن يستقرّ في فرنسا، حيث تمرّس بالتمثيل وعرف شهرة مبكّرة. يهودي ـــ مغربي ــــ فرنسي حسب معادلة مركبة من النوع الذي نعرفه جيّداً. والفنّان الذي نشأ في بيئة يهوديّة مغربيّة، قد لا يكون معروفاً بمعاداته للصهيونيّة، مثل مواطنه الأديب الكبير إدمون عمران المليح. لكنّ المؤكّد أنّه ليس إسرائيليّاً، وأنّه لم يخدم في الجيش الإسرائيلي، ولم يروّج للكيان الغاصب في أعماله. زار القدس (الغربيّة)،لأوّل مرّة في حياته، في شباط/ فبراير عام 2006 لتقديم «أنا هو الآخر». وكان سيأتي بعرضه، صيف العام نفسه، إلى «مهرجانات بيبلوس» لولا... العدوان الإسرائيلي. وفي أواخر عام 2008 أدلى بحديث إلى أحد المنابر الخاصة بالجالية اليهوديّة في فرنسا. هذا الحوار هو الوصمة التي تلاحقه اليوم، ويستوجب نقداً صارماً ومباشراً، لكنّه لا يجعل من زيارته إلى لبنان «تطبيعاً»! نحن هنا أمام فنان مغربي فرنسي صرّح مرّة لإعلام «جاليته»، رداً على أسئلة مباشرة وملحّة، تفوح منها البروباغاندا، بأنّه يحب إسرائيل، وأنها بلد مدهش، وأن أصدقاءه يغيّرون أفكارهم المسبقة حين يزورونها! لعلّه تعلّم من مغامرته قبل خمس سنوات: إرضاء الجالية من شروط النجاح! لعلّه متعاطف فعلاً مع إسرائيل، مضللاً مثل كثير من مواطنيه الذين لم نحسن مخاطبتهم. نعم، لقد أطلق مدائحه البائسة، وغزّة تختنق وتموت تحت نيران البلد الذي يتغزّل بمفاتنه الحضاريّة والسياحيّة. إنّها خطيئة العمى، يصعب قبولها من فنّان. فهل أبلسته هي الردّ الأفضل؟ ليأت جاد المليح، ليتعرّف إلى شعب لبنان وقضيّته ومقاومته. بعض الجمهور قد يقاطع حفلاته الثلاث، بعضه الآخر سيرفع أعلام لبنان وفلسطين عند انتهاء العرض ربّما. وفي كلّ الأحوال، تبقى «مهرجانات بيت الدين» مؤسسة ثقافيّة عريقة علينا تحييدها. أما جاد المليح فليأت، سنحاول أن نغسله من أدران الدعاية الصهيونيّة. سنذكّره بأنّه عربيّ مثلنا، وأنّ مكانه بيننا، وأنّ دوره فنّاناً، ويهودياً تحديداً، أن يبصق بوجه الظالم، ويشهد للحق!