خصّصت مجلّة «لو كورييه انترناسيونال» أخيراً عدداً خاصاً ضمّ لمحة شاملة عن الأزمة التي يعانيها الإعلام المكتوب وبعض الحلول للخروج من النفق المظلم
صباح أيوب
الصحف وضعها سيّئ. يكاد الكل يُجمع على هذا الأمر، ولم يخف على أحد هذا العام الضربة التي تلقّتها المؤسسات الإعلامية بسبب الأزمة المالية الأخيرة. صرف موظفين بالجملة، تراجع نسبة القراءة «الورقية» مقابل القراءة «الإلكترونية»، انخفاض كارثي في عائدات المبيعات والإعلانات... لكن، من جهة أخرى، لا تزال الأكشاك ممتلئة ومؤسسات صحافية جديدة أبصرت النور في بعض البلدان. فما هو الوضع الفعلي للصحافة المكتوبة اليوم؟ ما هي التحدّيات؟ وماذا عن سبل «الخلاص»؟ أسئلة كثيرة طرحتها الجرائد العالمية في صفحاتها طيلة هذا العام، وقد خصصت مجلّة «لو كورييه انترناسيونال» عدداً خاصاً، الأسبوع الماضي، بعنوان «لكن، ما مصير الصحافة؟»، حوى لمحة شاملة عن الأزمةورأي أصحاب الصحف الكبرى وبعض اقتراحات حلول. لكنّ العدد الخاص الذي أصرّ أيضاً على تقديم صورة عن وضع الصحافة في أغلب القارات والمناطق التي تغطيها المجلة عادة، لم يقدّم سوى صورة نمطية ومختصرة عن تلك البلدان، تخدم التوجّه السياسي للمجلة على حساب تقديم نماذج واقعية عن الأزمة. وفي المحصّلة، بدت الحلول والمستقبل في أيدي أصحاب المخيّلة الأوسع... مع فسحة أمل تقول إنّه حتى لو انتكست المؤسسات الصحافية، فإن مهنة الصحافة لا تزال بألف خير!
المصيبة جمعت أميركا وأوروبا، والصرخة واحدة: «الآتي أعظم». صحف القارّتين شهدت تراجعاً مهولاً في نسبة الإعلانات وصلت في أغلب الصحف إلى (70%)، كما في نسبة الإقبال على شراء النسخات الورقية. في أميركا مثلاً، ارتفعت نسبة قراءة الصحف الإلكترونية من صفر الى 75% خلال العام، كما يذكر المقال الرئيس في ملف «لو كورييه انترناسيونال» ونشر في صحيفة El Pais الإسبانية. انطلق المقال من أنّ الأزمة المالية جاءت لتزيد الطين بلّة على وضع الصحف المتأزم أصلاً بسبب منافسة الصحافة الالكترونية المجانية. فيليب بينيت، رئيس التحرير السابق لجريدة «واشنطن بوست» الأميركية (صرفت 250 من موظفيها بداية العام) يرى أنّ «سياسة تقليص النفقات ليست الحلّ المناسب لمواجهة الأزمة الحالية. فقط أصحاب المخيّلة الواسعة والأفكار الخلاقة من مديري المؤسسات الصحافية يستطيعون المتابعة». بينيت يسخر من القدر، إذ «تعيش الصحف فترة مريعة، بينما نحن في العصر الذهبي للصحافة». أمّا صاحب أكبر مؤسسة صحافية أميركية بيل كيلير مدير «نيويورك تايمز» (تضمّ 1200 موظف)، فهو لا يبدو مستسلماً للصعاب وليس متشائماً كغيره، بل يعوّل على «المهنة» أكثر من الوسيلة، إذ يقول إنه «في السنتين المقبلتين يجب أن نجرّب كل شيء، آملين أن تظل المهنة موزّعة على المكتوب والإلكتروني». لكن السؤال الذي يطرح الآن هو كيف يمكننا اليوم أن نربح الأموال عبر ممارسة الصحافة؟ أجوبة واقتراحات عديدة قدمت في صفحات الملف. بعضهم يؤمن بوجود فئة كبيرة من الناس لا تزال مستعدة لشراء الصحف وقراءتها شرط أن تتضمن افتتاحيات جيّدة وأخباراً حصرية. بعضهم الآخر يوصي باعتماد سياسة الجذب (الشكل والأخبار المسلية والجذابة) والتعليم (من خلال مقالات مشغولة وتحقيقات مصوغة بأسلوب مشوّق) في آن. وهؤلاء يلفتون الى زيادة الخلق والإبداع في صفحات الجرائد الحالية مع ازدياد حدّة الأزمة!
أما الذين يلقون كل الشرور على «النت»، فهم لا يجدون حلولاً سوى الحدّ من مجانية قراءة المقالات على الإنترنت، وفرض ضرائب على محركات البحث مثلاً. حلّ آخر قدّمه رسم كاريكاتوري نشر في El Pais يقترح أن «يُعوَّض عن الخسارة في الإعلانات بجعل كل البروباغندا مدفوعة!». وطالب بعضهم بإنشاء «حقّ الكاتب على الإنترنت»، وهو ما يضمن حفظ حقوق الصحافيين في مقالاتهم المنشورة من أن «يسرقها» أصحاب المواقع الخاصة وينشروها على الشبكة الإلكترونية. على ماذا سترسو «المعركة» الخفية بين الصحف والنت إذاً؟ وكيف سيخرج الإعلام المكتوب من أزمته؟ التجارب التي بدأ بها أرباب المهنة هي وحدها التي تملك الإجابات المستقبلية. الحلول المذكورة لم تعتمد كاملة لغاية اليوم، والأزمة في تفاقم على الرغم من بصيص الأمل الذي يقوم على فكرة أنّ «المهنة، كمهنة... لا تزال بألف خير».
ملف «كورييه» لم يعطِ أجوبة قاطعة إذاً، لكنه رسم صورة الأزمة كما هي. إلا أنه ابتعد كل البعد عن الواقعية عندما رصد حركة الصحافة المكتوبة في الدول والقارات. فهو مثلاً لم يجد في منطقة الشرق الأوسط سوى الإعلام السوري «الذي يتّسم بلغته الخشبية»، والصحافة الإماراتية «التي تفتقد للحريات»، فاستخدمهما عيّنة للحديث عن وضع الصحافة في المنطقة!