محمود عبد الغنيأثار شريط «كازانيغرا» لنور الدين لخماري ردود فعل لدى طرحه في الصالات المغربية. إلا أنّها تبقى محدودة لأنّ الفيلم لم يره إلا 250 ألف مشاهد. ورغم أنّه رقم قياسي في السينما المغربية، فإنّه ضئيل في بلد يفوق عدد قاطنيه 30 مليون نسمة. وقد سبق لشريط ليلى المراكشي «ماروك» أن أثار ردود فعل عنيفة، إضافة إلى «حجاب الحب» لعزيزي السالمي. ويذكر متتبّعو الفنّ السابع في المغرب أنّ السينمائي محمد عسلي صاحب «الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء» تهجّم بعنف على صاحبة «ماروك»، معتبراً أنّ شريطها تجاوز الحدود الأخلاقية والدينية في بلد مسلم. وقد نشرت بعض الصحف موقف عسلي الذي اعتُبر ــــ بعد فيلمه «الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء» ــــ مخرجاً طليعياً، يمتلك عدّة رؤيوية وفنية وجمالية. ومع الوقت، تبيّن أنّه قادم من صف إيديولوجي يمكن وصفه بالمتدين المعتدل. وهذا الصف في مغرب اليوم يتحكّم في جميع مواقفه سواء كانت في السياسة أو الدين أو الفنّ أو الحياة العامة.
هذه هي المواقف التي وجد نور الدين لخماري (44 سنة) نفسه في مواجهتها. صاحب «الصراع الصامت» الذي أقام في النرويج 24 سنة، انتقل اليوم إلى الدار البيضاء، حيث أنجز فيلمه الروائي الثاني الذي صوّر قصّة شابين عاطلين من العمل، غير متعلّمين، يقضيان يومهما في لكْم بعضهما لبعض، متسكّعين في شوارع الدار البيضاء ويمضيان النهار في شتم المدينة السوداء «كازانيغرا» (الدار السوداء تضاد مع اسم العاصمة الاقتصاديّة المغربيّة: الدار البيضاء: كازابلانكا).
لكنّ المسافة الطويلة بين لخماري وبلده الأصل أفقرت معرفته به. الفن السابع يتطلب معرفة عميقة بالواقع وما تخفيه وتنتجه المظاهر والظواهر الاجتماعية. ثم إنّ لخماري لا يعرف اللهجة المغربية معرفة تمكّنه من التعبير والكتابة، هو كاتب سيناريو CasaNegra. وما يعرفه من لغته الأم هو تلك المفردات القليلة التي تعلّمها قبل مغادرة المغرب. كما أنّه لا يعرف الدار البيضاء معرفة دقيقة، معرفة تاريخية إن صحّ التعبير. ولا شك في أنّ «البيضاويين» سيستاؤون من فيلم عالج مدينتهم بطريقة عدوانية وسطحية وأحادية. بخلاف مثلاً «الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء» الذي قارب مدينةً متعدّدة وموحشة ومخيفة كالدار البيضاء بطريقة شاعرية وتأويلية أبرزت وجوهها الكثيرة. ويعود ذلك إلى معرفة العسلي بعواطف البيضاويين ونفسياتهم وطبقاتهم الاجتماعية ولغاتهم.
وكان يمكن للخماري أن يتجنّب ضعف السيناريو بالرجوع إلى العديد من الروايات التي تحدّثت عن العمق المجتمعي للدار البيضاء، مثل روايات محمد زفزاف ويوسف فاضل ومبارك ربيع وإدريس الخوري.