الاتحاد المعروف بتقدميّته كان سباقاً إلى إشراك المرأة في قيادته، فماذا تغيّر اليوم؟ استعادة للأزمة التي دفعت بالمنظّمة العريقة إلى أحلك أيامها
الرباط ــــ ياسين عدنان
الكتّاب الذين زحفوا إلى الرباط، الخريف الماضي، للمشاركة في المؤتمر السابع عشر لـ«اتحاد كتّاب المغرب»، لم يكونوا يتوقعون كلّ هذه التداعيات التي حصلت بعد المؤتمر، وجعلت المنظمة الأدبية العتيدة تعيش موسماً ثقافيّاً قاحلاً. هذه المؤسسة العريقة شبه مشلولة منذ الخريف، ومع اقتراب وقت جردات الحساب، ينتبه الجميع إلى هذا الخواء الذي جاء نتيجة قفزة مقلقة إلى الوراء. فلنحاول استعادة ما جرى...
المفاجأة الأولى كانت في تركيبة المكتب التنفيذي الجديد. إذ اكتشف المؤتمرون بعد إعلان نتائج التصويت أنّهم انتخبوا تسعة أدباء ذكور، وأقصوا الأديبات اللواتي ترشّحن للمكتب المركزي. «اتحاد كتّاب المغرب» كان سبّاقاً إلى إشراك النساء في مكاتبه التنفيذية السابقة، في زمن لم يكن فيه للمرأة حضورٌ قوي في الهيئات الرسمية والأهلية الوطنية... وها هو يتنكّر لنون النسوة بعدما صارت للمغرب سبع وزيرات و34 نائبة.
اجتمع الأعضاء التسعة سريعاً، وجددوا ثقتهم بالرئيس السابق للاتحاد عبد الحميد عقار، وصعدوا إلى المنصة لتقديمه للمؤتمرين واتفقوا على استكمال توزيع المهام في أول اجتماع للمكتب التنفيذي الجديد. لكن توزيع المهام هذا، لم يمرّ بالسلاسة المطلوبة. لقد احتاج الأمر إلى أربعة اجتماعات ساخنة. ورغم أن المؤتمر اختتم في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فحرب المواقع داخل المكتب لم تلقِ أوزارها إلا يوم 16 كانون الثاني (يناير). وفيما الكلّ ينتظر من المكتب الجديد الإعلان عن استراتيجيته الثقافية وعملية تجديد فروع الاتحاد، إذا بأمين صندوق الاتحاد الشاعر جمال الموساوي يقدم استقالته بشكل مفاجئ أربك حسابات الجميع. إذ أكد الموساوي في رسالة استقالته «أن الأجواء التي تسود المكتب حالياً يطبعها التنافر، والمزاجية التي لا يمكن استيعابها، ويبدو أنّها محكومة بحسابات لا حدود لها».
استقالة الموساوي خلقت أزمة جديدة. رئيس الاتحاد عبد الحميد عقار، وأمينه العام عبد الفتاح الحجمري، أصرّا على اختيار أمين صندوق جديد بين أعضاء المكتب لملء الفراغ الذي تركه العضو المستقيل. لكنّهما فوجئا باقتراح لم يكن في الحسبان: الناقد عبد الرحيم العلام، والمترجم الأدبي مصطفى النحال، اقترحا الرجوع إلى نقطة الصفر، وإعادة توزيع المهام بما فيها الرئاسة. ثم اندلعت المعارك من جديد، ليفاجأ الرأي العام في المغرب ببلاغ صادر باسم الرئيس عبد الحميد عقار يدعو فيه إلى «عقد مؤتمر استثنائي للاتحاد، في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، على أن يكون المؤتمر الاستثنائي في يوم واحد، وبجدول أعمال محدد، مقصور فقط على انتخاب مكتب تنفيذي ورئيس جديد للاتحاد». وأشار عقار أيضاً إلى نوايا عدائية يكنّها له عضوان من المكتب، فضّل عدم تسميتهما.
طبعاً لم يطل انتظار الرد. سرعان ما صدر بلاغ توضيحي وقّعه ستة من أعضاء المكتب جاء فيه: «اجتمع المكتب التنفيذي لاتحاد كتاّب المغرب كما كان مقرراً يوم السبت 7 فبراير 2009 في مقر الاتحاد في الرباط، بحضور أغلبية أعضائه، وغياب رئيس الاتحاد الذي اكتفى بتوجيه رسالة شخصية لأعضاء المكتب يعترض فيها على مشروعية اجتماع سبق أن دعا هو نفسه، بصفة رسمية، إلى عقده. وقد كان مقرراً في هذا الاجتماع استكمال هيكلة المكتب التنفيذي عقب استقالة أمين صندوق الاتحاد، وصياغة أرضية للاشتغال متوافق عليها بين جميع الأعضاء، ما يتيح البدء ببلورة مشروع برنامج عمل يشمل من جملة ما يشمل تجديد الفروع»، مشيراً إلى أنّه «لا يحق للرئيس أن يدعو إلى عقد مؤتمر استثنائي للاتحاد...».
منذ ذلك الاجتماع، تعطلت آلة الاتحاد. أمين الصندوق المستقيل انسحب بهدوء. الرئيس والأمين العام في واد، وباقي الأعضاء في واد، وأسئلة كثيرة لا تزال معلّقة. عجلات قاطرة الاتحاد غارقة في الوحل. أما الفروع التي يشرف على تجديدها عادةً أعضاء المكتب التنفيذي فمشلولة. ورغم توسّط كثيرين بين طرفي النزاع، فالتنافر ما زال سيد الموقف. لقد مرت السنةُ بيضاء على أهم منظمة ثقافية في المغرب، فهل ستلوح بوادر انفراج في الأفق؟