ياسين عدنانفي كتابة نقديّة مبتكرة تمزج بين أسلوب البورتريه والتحليل النقدي، يروي الباحث المغربي شرف الدين ماجدولين في الفصل الأول من كتابه «حكايات صور: تأويلات نقدية» («الدار العربية للعلوم» في بيروت و«منشورات الاختلاف» في الجزائر) حكاية روائيين وشعراء استوطنوا وجدانه وجمعته بهم صِلات التلقّي والتعلّم ثم الصداقة. هكذا، يضيء الكاتب في هذا الفصل الذي جاء بعنوان «وجوه» بعض ملامح محمد برادة، وعبد اللطيف اللعبي، وعبد القادر الشاوي، ومحمد شكري، وأحمد المديني وغيرهم من أدباء المغرب البارزين... عبر تأملات نقدية خاصة في وقائع ومفردات ومجازات التبَسَتْ بتلك الوجوه، وأضحت علامة عليها. بينما توقف ماجدولين في الفصل الثاني عند مدن ومعابر اعتملت بما اقتضى تدوين مَحمُولها الصوري، ليستجمع في الفصل الثالث تأويلات لنصوص سير وروايات وكتالوغات وكتب نقدية تدور كلّها في فلك الصور. هي إذاً مباحث وتأويلات تؤول كلها إلى معنى ناظم ورؤية موحدة تتوخى حكاية تجربة، ورصد علاقة مع ذاكرة شخصية، تطمح إلى الخروج إلى حيز المشترك.
من هذا المنطلق، يكتسي «حكايات صور» بُعداً نقدياً وتخييلياً في آن واحد. إذ يسعى المؤلف إلى عرض محصلات القراءة كما يستهدف تصوير الصلات الذهنية والإنسانية مع عوالم وشخوص وصور شديدة التباين. ما يجعل فصوله تتقدم إلى قارئها بوصفها سُرُوداً ومحكياتٍ تستكشف تقاسيم الوجوه واللحظات والنصوص المختارة، وتُعمل الفكر في أعطاف تجلِّيها الصُّوري، وما يمليه هذا الثراء على الناظر من أسباب المتعة الذهنية.
وتَمْثُل الصور عادة ــــ حسب ماجدولين ــــ في وصفها أثراً مستشرياً، يرافق الذهن مُدداً طويلة، وقد يمتد العمر كله محفزاً الخيال على نسج احتمالات المعنى. قد يكون مرجع الصور مرئياً؛ جسداً حيّاً، أو مجرد موقف، وقد يكون فكرة منبعثة من سديم التفاصيل. والشيء الأكيد أن الصور تكتنز بطول التأمل والتدبر وإعمال الفكر، وتحبل بطول العشرة. للصور حياة موازية لحياة متلقيها، ولها حكايات جديرة بأن تروى.
لكن حين نحكي عن الصور نُشكِّلها من جديد، ننحتها لفظاً بعدما كانت جنيناً في بطن الغيب، ونسعى، بمحبة، إلى استجلاء قسماتها، والكشف عن مقومات الغواية فيها. وفي حمأة هذا المسعى الحكائي، وجد شرف الدين ماجدولين نفسه يشتغل بأدوات الناقد والمؤرخ والرسام والروائي. وإذا كان وهو يلجأ إلى توصيف الصيغ التدوينيّة لعلاقاته برموز وأدباء ومدن ومناسبات خاصة وكتب أعجبته بـ «بورتريهات» أو «تمثيلات» أو «تأويلات» أو غير ذلك من التعابير... فإنه في المحصّلة كان في صلب كل هذه القيم من حيث هي توقٌ إلى حصار الالتباس البصري والمجرد الذي توحي به الصور الشخصية والفضائية والأدبية المرصودة عبر ما اعتبره الكاتب نوعاً من «التخييل النقدي».
يُذكر أنّ الكتاب الحالي هو الرابع ضمن مؤلفات شرف الدين ماجدولين، بعد «بيان شهرزاد: التشكّلات النوعيّة لصور الليالي» (2001)، «الصورة السردية: في الرواية والقصة والسينما» (2006) و«ترويض الحكاية: بصدد قراءة التراث السردي» الذي حاز «جائزة المغرب للكتاب» في فرع الدراسات الأدبية والنقدية العام الماضي.