مشروع Liban Jazz يدخل مرحلة جديدة

كريم غطّاس يستضيف، مع السفارة النروجية في لبنان، رمزاً من رموز الجاز الاسكندينافي الحديث. غداً في بيروت (ميوزكهول)، والثلاثاء في دمشق (دار الأوبرا) في برنامج مختلف: موعدان يجمع بينهما الإلكترو ـــ جاز على الطريقة النروجيّة... ويمهدان الطريق أمام تجارب أخرى آتية من الشمال

بشير صفير
يختلف موعد «ليبان جاز» المقبل عن رصيد السنوات الخمس الماضية. المحطة تُعَدّ مفصلية في تاريخ المهرجان، والتغيير الذي يحدِثه اليوم مؤسسه كريم غطاس، يطاول أكثر من جانب ويفتح باب التطوير على كل الاحتمالات. أولاً، زائر بيروت مساء الأحد هو بوغِه فِسِلتوفت. إنّه رمزٌ في واحدٍ من تيّارات الجاز التي بات يحسب لها حساب في العالم: الجاز الاسكندينافي الحديث. من هنا، خرج «ليبان جاز» من قمقم الجاز الفرنسي أو المحسوب على فرنسا ولو حمل جنسية أخرى. علماً بأنّ تاريخ المهرجان شهد استثناءات من خارج هذه الهوية (مثل أرتشي شَب). يضاف إلى ذلك أنّ فِسِلتوفت لن يكون محطة عابرة تمثّل تيار الجاز الحديث لشمال غرب أوروبا. بل سيفتح الباب أمام زملائه ومواطنيه النروجيين ضمن خطة تعاون بين «ليبان جاز» والسفارة النروجية في لبنان، وفق ما أكد ممثلو الطرفين في مؤتمر صحافي أقيم للمناسبة الأسبوع الماضي.
بعد حفلة بيروت، يغادر فِسِلتوفت لبنان ليقدّم حفلة أخرى في دار الأوبرا في دمشق (12 أيار/ مايو)، ينظمها «ليبان جاز» بالتعاون مع «الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون». وهنا أيضاً، نشير إلى أنّ نشاط «ليبان جاز» خارج الحدود لن يكون عابراً، وحفلة فِسِلتوفت ليست سوى أول الغيث.
ثمة نقلة نوعية أخرى في حفلة فِسِلتوفت. الموسيقي النروجي العالمي سيرفع مستوى المهرجان، أقله مقارنة بالحفلة الأخيرة التي قدمها «ثلاثي تيغران همسيان» وأتت عبارة عن عرض عضلات. وعذراً من الذين يرون المهارات العالية في الجاز إنجازاً موسيقياً. الجاز هو إحساس وذائقة عالية وتواضع، وهذه تحديداً صفات ضيفنا المرتقب.
Bugge Wesseltoft فنانٌ يتمتع بشخصية خاصة. بسيط في تعبيره. معاصر في مقاربته عالم الجاز. يمارس التجريب من باب الحاجة لا الادعاء. يقدم الإلكترو ـــــ جاز هنا. يدرج من الكلام ما قلّ ودلّ، حيث يسقط الصوت البشري ليقول كلمة واحدة تحتاج إليها المقطوعة ولا تستطيع أن تنوب عنها الآلة الموسيقية. يتخلى عن التكنولوجيا هناك. يختلي بالبيانو ويضبط الإيقاع لنفسه. وعندما يتطلب الأمر بعض الجزم والزخم، تدخل الآلة الإيقاعية. كل هذه «الفنون» وغيرها ترسم ملامح فِسِلتوفت الخارجية ليضاف إليها الارتجال غير المُعلن عنه إلا في حينه.
بوغِه فِسِلتوفت (1964)، موسيقيٌّ حرّ، أفلت من شروط الإنتاج المحتملة، فأسس «جاز لاند ريكوردز» التي تصدر أعماله وما يتناسب مع مشروعه مما قد يقدمه موسيقيو الجاز الحديث في بلده أو خارجها. منذ أولى تجاربه، قرّر فِسِلتوفت التمايز عن الجاز الكلاسيكي الذي كان رائجاً في المنطقة التي ينتمي إليها. هكذا، سعى إلى تكوين شخصية خاصة وخلق «مفهومٍ جديدٍ للجاز». إنه عنوان ألبوم أصدره أواسط التسعينيات ونال عنه جوائز تقدير عالمية، وتلته إصدارات عدّة، ثلاثة منها مع سيسيل أندرسون، المغنية النروجية التي كان من المعجبين بأعمالها التي صدرت عند المنتج الألماني الشهير «إي. سي. أم». بالإضافة إلى ألبومات عدة أبرزها «موفينغ» (2001) الذي كرّس فيه بوغِه الإلكترو ـــــ جاز.
عمل فِسِلتوفت مع عددٍ من الموسيقيين الذين «يتفق» معهم في جوهر المقاربة الحديثة للجاز. أما في حفلته البيروتية فسيشاركه على خشبة الـ«ميوزكهول» ثنائي نروجي متخصّص بالبرمجة الإلكترونية وتركيب الأصوات وتحويرها: إنّه «مانغوليان جَتْ سَتْ». هكذا يقسم برنامج الحفلة إلى قسمين: الأول من عشرين دقيقة، يقدم خلاله فِسِلتوفت مجموعة من أعماله الجديدة التي حواها ألبومه «بلايينغ» (لم يصدر رسمياً بعد). وهنا سينفرد في العزف على البيانو وسيضيف بعض الأصوات المبرمجة على الكومبيوتر. في القسم الثاني الذي يمثّل زمنياً ضعف القسم الأول أو أكثر، يتدخل ثنائي «مانغوليان جَتْ سَتْ» المؤلف من مبرمِج أصوات على الكومبيوتر ومن «دي. دجاي»، ليقدم مع فِسِلتوفت نموذجاً من الإلكترو ـــــ جاز. هكذا يكون العرض قد أعطى صورة واضحة نسبياً عن مشروع «مفهوم جديد للجاز»، ولو لم تكن كاملة مقارنة بسيرة بوغِه فِسِلتوفت الفنية. أما في ما يخصّ حفلة الشام التي سيكون لنا عودة إليها لاحقاً، فهي تختلف عن برنامج بيروت، بمعنى أنها ستكون نموذجاً موسعاً عمّا سيقدمه بوغِه فِسِلتوفت في القسم الأوّل من حفلة «ميوزكهول». هكذا، سيتمحور برنامج الحفلة الثانية حول ألبوم «بلايينغ» الذي يحوي مقطوعات من تأليف فِسِلتوفت وأخرى من كلاسيكيات الجاز. منها معزوفة «تايك 5» التي نجح في تقديم رؤية جديدة لها، رغم عشرات التسجيلات التي قام بها أبرز موسيقيي الجاز في التاريخ. وإذا أردنا وصف «بلايينغ» بعبارة مختصرة نقول: في الجاز، البيانو لا يستدعي الموسيقى الإلكترونية إلاّ في الحالات التعبيرية غير المكتملة التي لا يستطيع إنجازها منفرداً.


9:00 مساء غد الأحد ـــــ «ميوزكهول» (ستاركو ـــــ بيروت) ـــــ 03/807555
8:00 مساء 12 أيار (مايو) الحالي ـــــ دار الأوبرا في دمشق ـــــ
www.opera-syria.org