سناء الخوري
مدينة مسلوبة الروح، هكذا تبدو «القدس الشرقيّة»، بكلّ ما في الواقع من فجاجة، في معرض الصور الفوتوغرافيّة «نحن/ هم II ــ القدس الشرقيّة وضواحيها» الذي يُختتم غداً في «الهنغار» (حارة حريك ــــ بيروت) بمبادرة من «جمعية أمم للتوثيق والأبحاث». عام 2001، التقط المصوّر الألماني بيتر رايدلينجر دفعة أولى من الصور المعروضة. حينها، كان الاحتلال قد أغلق المؤسسات الفلسطينيّة العامّة في القدس الشرقيّة. عاد صديقنا ليصوّر عام 2008، فإذا بعدسة الكاميرا تواجه التحولات الهائلة التي طرأت على المدينة بعد ذلك الوقت. كأننا أمام صور «قبل وبعد» لعمليّة «تحويل كامل» في أحد برامج تلفزيون الواقع.
قلنديا، جبل أبو غنيم، أبو ديس، البيرة، النبي موسى، شجر زيتون الطيرة، نراها هناك في الصورة، بعدما اجتاحتها الجرّافة الإسرائيليّة، وعلى مشارفها في المدى الخلفي للصورة، مستوطنة كيدار ومعاليه أدوميم. رغم اختلاف مواقع التصوير، تبدو الصور جميعها كصورة واحدة. في الأمام، قفر، صحراء، ركام، أراضٍ تأكلها الأعشاب اليابسة، وفي إحداها صبي فلسطيني صغير يقف بين الأعشاب اليابسة مع حماره، يراقب «العمران» الإسرائيلي يتمدّد ويأكل أرضه. تزداد مساحة المستوطنة اتساعاً بين مرحلة زمنيّة وأخرى. فجأة يظهر الجدار، ويتّسع الفراغ بشكلٍ فاضح بين أشجار الزيتون. اختار رايدلينجر تصوير ملعبي البيرة وأبوديس فارغين. ربما لم يكن لديه خيار آخر. أمام هذا التكثيف، تصبح المقارنة جائزةً، ليس فقط بين صورة قديمة وأخرى جديدة، بل أيضاً بين جزأين للصورة نفسها. كلّ سمات البداوة الممكنة ظاهرة على ما بقي من القدس، والمستوطنات الإسرائيليّة تشرئبّ من الخلف، حاضرةً مدنيّة متراصّة تنتظر العالم ليقول لها: «كم أنت جديدة ومرتبة و... متمدّنة». القدس تختفي، تتحوّل إلى أطلال وأرض بور، تخسر طابعها المديني الفريد، ولا يبقى منها إلّا مساحات فارغة لتبني عليها سلطات الفصل العنصري حاضرةً «لمواطنيها». تفهم وأنت خارج من المعرض، لماذا وجدت صعوبة للوهلة الأولى في معرفة المدينة في الصور. تعرف أنّ السبب ليس لأنّك لم تزرها، فالشعور نفسه لم يكن لينتابك أمام صورة من شوارع كابول أو أديس أبابا أو طوكيو أو باريس. الصورة نافرة وصعبة على العين، لأنّها تريك كيف تنقرض القدس، كيف تصبح مدينة من دون هويّة.


حتى يوم غد ــ «الهنغار» (حارة حريك ــ بيروت) ــ 01/553604