لماذا لم يبذل مثقّفو مصر جهداً للتضامن مع مجلة أحمد عبد المعطي حجازي، فيما محاكمة صاحب «مترو» أثارت حملة تعاطف واسعة؟
محمد خير
لم تكن مجلة «إبداع» مشمولة برضى المثقفين. مع ذلك، أوقف ترخيصها رغماً عنهم ولم يبذل المثقفون جهداً لإعادتها. ومع ذلك، فقد صدرت مرة أخرى في غفلة منهم! هي معركة ظاهرها الثقافة، وجوهرها صراعات أجنحة تعادي تلك الثقافة. المجلة الفصلية أصدرت عددها الجديد (شتاء 2009) قبل أيام، بعد أقل من شهر على الحكم القضائي الذي ألغى ترخيصها، بحجة أنّها «نشرت ما سمّته قصيدة «شرفة ليلى مراد»، شعر حلمي سالم، ووردت فيها ألفاظ تسيء إلى رب العالمين...». هكذا جاء في حيثيات الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في القاهرة، وسبّب إلغاء ترخيص المجلة التي يرأسها أحد أهم الرموز الثقافية للدولة، الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الذي فاز ـــــ قبل أيام من الحكم ـــــ بجائزة مؤتمر الشعر العربي الذي يرأسه بنفسه!
باستثناء بعض تصريحات مستنكرة، لم يبذل المثقفون جهداً حقيقياً للتضامن مع «إبداع»، عكس ما فعل كثيرون منهم في ما يخصّ أزمة رواية «مترو» التي أدت مصادرتها ومحاكمة مؤلفها مجدي الشافعي وناشرها «دار ملامح» إلى حملة تعاطف واسعة، وحضور إعلامي وثقافي في جلسات المحاكمة، وهو مشهد اختلف كثيراً في حالة إيقاف «إبداع». بدت تلك الأخيرة محميةً في الحضن الدافئ للدولة، وبدا رئيس تحريرها أحمد عبد المعطي حجازي أكثر «رسمية» من أن يحتاج إلى تضامن مثقفين مستقلين، سبق أن تضامنوا معه في قضية مشابهة، وإن كان لها بعدها الرمزي. كان ذلك عندما كاد أثاث بيته أن يباع في المزاد بسبب رفضه تسديد غرامة عوقب بها على مقالة نشرها قبل سنوات في مجلة «روز اليوسف». هكذا، وكما استطاع شاعر الستينيات تجاوز أزمة «المزاد»، استطاع أيضاً العودة بالمجلة التي ترأس تحريرها منذ 18 عاماً. خلال تلك السنوات، نجح عبد المعطي حجازي في أن يفضّ المثقفين عن المجلة التي كانت ملء السمع والبصر، وأصبح النشر فيها مرتبطاً بالدائرة المغلقة نفسها التي تلتئم في المهرجانات الرسمية، ولم يعد ملحوظاً حتى حجم الأزمة التي أحاطت بالمجلة قبل خمس سنوات وأدّت إلى توقّفها، قبل أن تعود بعدد «شرفة ليلى مراد» الذي أدى إلى توقّفها من جديد.
الأزمة التي يفترض بها أن تكون ثقافية ودستورية، حوّلها صنّاعها إلى معركة قضائية وإدارية بحت. ولم تعد المشكلة أنّ رجلاً غير ذي مصلحة، الشيخ يوسف البدري، قد أقام دعوى «حسبة» لإيقاف مجلة ثقافية. ولم تعد المسألة خاصة بقضية «حرية تعبير»، أو حتى حدود هذه الحرية. ولم تجد وزارة الثقافة نفسها معنية بالدفاع عن ـــــ أو حتى رفض ـــــ موقف مسؤوليها وكتّابها، بل قررت الوزارة أن تتخذ إجراءً إدارياً، هو الطعن ضد الحكم القضائي، ومن ثمّ إصدار عدد جديد من المجلة. وجاء البيان الذي أصدرته «هيئة الكتاب» خالياً من أي موقف فكري، وانحصر في شرح ما اتخذته الهيئة من إجراءات قانونية، بخصوص الطعن والاستشكال لإيقاف الحكم.
بهذا المعنى، وتلك الممارسة، بدا أن دعوى «الحسبة» والمعركة القضائية مجرد «خلاف»، جعل منه الصمت السياسي خلافاً مشروعاً. أما قضية التعبير نفسها، فمجرد «تفاصيل» لا يهتم بها سوى بعض المثقفين، من دون جهد كبير، إذ لا دور لهم في ترتيبات بين أجهزة رسمية ومنظومة قانونية تتيح ـــــ من حيث المبدأ ـــــ إقامة مثل تلك الدعاوى، ومن ثم إيقاف وسائل النشر وإلغاء تراخيصها، وبدا لافتاً للغاية أنّ «موقفاً» فكرياً، أو حتى أخلاقياً، لم يجهر به علانية سوى منطوق الحكم القضائي الذي أوقف
الترخيص.