حسين بن حمزةفي مجموعته الشعرية «نيران صديقة» (دار النهضة)، وهي الثالثة له بعد «أخيراً وصل الشتاء» و«أنظر وأكتفي بالنظر»، يبدي الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار ميلاً واضحاً إلى قصيدة رومنطيقية. الرومنطيقية هنا هي خيار لغوي ونبرة ومعجم شعري. ليس سهلاً أن نضع مجموعة شعرية كاملة تحت عنوان أو صفة محدّدة، ولكن القارئ ينتبه إلى جرعة رومنطيقية هائلة تتسرب إلى نصوص المجموعة، مختلطة بشذرات من سيرة شخصية حاضرة، بدورها، كي تمنح المعنى الرومنطيقي منصة أوسع وأعلى. أغلب الشعر الراهن يعافُ الرومنطيقية ويطردها. أن تكون شاعراً حديثاً يعني، في جملة ما يعنيه، أن تتجنب الغنائية والدراما والعاطفة المفرطة. ما يكتبه الخصار متوافر، بنسب متفاوتة، على كل هذه الصفات. جملته سهلة وبسيطة، لكنها مكتوبة بلغة فصيحة. الاستعارات والصور مصنوعة من عبارة عربية كاملة. لا نجد هنا ركاكة النثر كمسعى شعري مستخدم بكثرة في تجارب عربية شابة. يبتعد الخصار عما يهجس به معظم مجايليه، فلا يسعى إلى مجاراة الحياة الحديثة كخطة شعرية يتيمة، ولا يُبدي اكتراثاً هوسياً باستثمار مهملات هذه الحياة ونثرياتها. بطل قصيدته إنسان صغير بالطبع، ولكن هذا لا يضطرُّه إلى الغَرْف بلا حساب من مستودعات القصيدة اليومية.
أغلب قصائد المجموعة مشغولة برثاء الذات وخسارة امرأة غائبة، علاوة على بضع قصائد مكتوبة على أسطر كاملة موجهة إلى عدد من أصدقائه. القصائد، بهذا المعنى، تتحرك في عوالم حميمة وصغيرة. وهذا ما يمنحها ثقلاً وجدانياً، ويجعلها أقرب إلى المناجاة. الرومنطيقية تطل برأسها من كوة المناجاة هذه، وهي كوّة واسعة، وتصبح نوعاً من هوية شعرية. ولكن خطر المناجاة أنها تسهِّل تحوُّل الشعر إلى خادم مطيع لشكوى الشاعر وتذمره من سوء فهم متواصل مع الحياة. بهذه الطريقة، يتخلى الشعر أحياناً كثيرة عن شروطه القاسية، ويستسلم لرخاوة العاطفة خصوصاً في قصائد الحب: «من عامين لم أسمع شرائط نجاة/ ولم أجلس رفقتها في سهرة (...) تهزُّ نجاة الصغيرة الحواس والكراسي والجدران/ فيما أنا أقطِّع قمصاني/ وأصرخ بأعلى صوتي: أحبك». يستسهل الشاعر كتابة سطور «مراهقة» كهذه إلى جوار مقطع مثل: «أعدُّ جراراً فارغة/ وأجلس أرقب المدافن/ أنتظر أن يصعد الذهب من الأرض»، أو: «من أجلكِ سمعتُ تلاً عالياً من شرائط الموسيقى/ وقرأت غرفة من الروايات».