رغم الغنى والتنوّع الذي تشهده الدورة الـ62 من المهرجان العريق، إلا أنّ الأزمة العالمية انعكست على الفعاليات الاستعراضية والجمهور
عثمان تزغارت
كان كل شيء جاهزاً: السجادة الحمراء والبدلات الأنيقة والنجوم. بهذه الأجواء، افتتح المغني شارل أزنافور مساء الأربعاء رسمياً الدورة الـ62 من «مهرجان كان» بحضور نجوم وسينمائيين وممثلين على رأسهم إيزابيل هوبير التي ترأس لجنة التحكيم. المهرجان افتُتح بفيلم التحريك UP الثلاثي الأبعاد (إنتاج استوديو «بيكسار ـــــ ديزني») حيث يعير أزنافور صوته للشخصية الرئيسية في الفيلم. وكانت النظارات الخاصّة جاهزة، كي يستطيع الكلّ مشاهدة فيلم المغامرات الخفيف والمضحك.
إلا أنّ الدورة الـ62 اتسمت بالفتور في يوميها الأولين. إذ بدا واضحاً أنّ الأزمة مرّت من هنا. صحيح أنّ الأفلام المعروضة تُعد إحدى أخصب تشكيلات المهرجان وأكثرها تنوعاً مع حضور كبار السينمائيين، لكن الأزمة المالية ألقت بظلالها على النشاطات والفعاليات الاستعراضية التي تُقام على هامش المهرجان وهي التي تصنع خصوصيته وتميّزه.
هكذا، تراجع إقبال الجمهور مقارنة بالمعدّلات المعتادة وشمل الأمر أيضاً صنّاع السينما ومتتبعيها، إذ يدور الحديث في الكواليس، عن تراجع عدد المسجّلين رسمياً في المهرجان بنحو 20 في المئة. ورغم أن إدارة المهرجان لم تؤكد هذه الأرقام رسمياً، إلا أنّنا لمسنا ذلك في الكواليس وخلال العروض الرسمية الأولى التي قُدّمت أمس، بما فيها العرض الصباحي الأول الذي قُدِّم فيه «حوض الأسماك» للبريطانية أندريا أرنولد. فقد اعتاد الصحافيون، خلال الدورات السابقة ـــــ خصوصاً العروض الصباحية ـــــ على الاصطفاف في طوابير طويلة للظفر بمكان لمتابعة العرض. لكن العروض الأولى من هذه السنة خلت من أي زحمة.
وفي بداية الظهيرة، تأكدت تأثيرات الأزمة، إذ كانت حركة المرور على شارع الكروازيت، روتينية في عز وقت الذروة، فيما كانت السلطات مضطرة لإغلاق الشارع بالكامل، في السنوات السابقة، بسبب استحالة تنظيم المرور بمحاذاة قصر المهرجان.
بخلاف هذا التأزم الذي طبع الأجواء العامة للمهرجان، كان العرضان الرسميان اللذان قُدّما أمس في مستوى الثراء والتنوّع المرتقب من هذه الدورة. أندريا أرنولد التي كان فيلمها «حوض الأسماك» أول عرض رسمي في المسابقة، قدّمت عملاً آسراً يؤكّد التوقعات بتميز المشاركات النسائية هذه الدورة. ويروي الفيلم قصة مراهقة تدعى ميا، في أحد أحياء الضواحي اللندنية، تناضل من أجل تحقيق ذاتها، وتجد خلاصها في هواية الرقص. وكان لافتاً أن اللغة السينمائية لهذا الفيلم اتسمت بالمينيمالية، فكان الصمت أكثر بلاغة في أغلب مشاهده، ما يذكّر بسينما التركي نوري بيلج سيلان، الحاضر هذه السنة في لجنة التحكيم... فهل يزيد ذلك من حظوظ أندريا أرنولد في الفوز بإحدى جوائز هذه الدورة، خصوصاً جائزة الإخراج؟
أما السينمائي الصيني المشاكس لو ـــــ يي، فصوّر في «ليلة انتشاء ربيعية» قصة حب مثلية تدور أحداثها في المجتمع الصيني حالياً، في سابقة هي الأولى على الشاشة. اللغة البصرية المتقنة التي يتسم بها الفيلم وموضوعه الحساس، والروح المتمردة التي يشتهر بها مخرجه، دفعت بعض النقاد لترجيح حصوله على إحدى الجوائز الكبرى للمهرجان، رغم أنّ الوقت ما زال مبكراً لإطلاق هذا النوع من التكهّنات... فدورة هذه السنة تخبئ الكثير من المفاجآت والأفلام المميزة.