بيار أبي صعبيتردّد منذ أشهر كلام عن مسؤوليّة الإعلام في إذكاء العنف الأهلي في لبنان. وقد أطلقت صفارات إنذار، وقيل كلام كثير، بعضه خير يراد به باطل. وتدخّلت المؤسسات على اختلافها، من وزارة الإعلام ووزارة الداخليّة إلى نقابة الصحافة، لتدلي بدلوها بطريقة متسرّعة واختزاليّة في بعض الأحيان... كان موقفنا نفسه، حتى في أصعب اللحظات: الدفاع عن المهنة وأهلها، انطلاقاً من أن التجاوزات، مهما كانت مخجلة ومشينة، لا يمكنها أن تدنّس الجميع، ولا تحسب على المهنة بل على مرتكبيها. أما نحن فدافعنا وندافع عن كرامة الصحافيين الأحرار، على اختلاف مواقعهم السياسيّة، بغضّ النظر عن عددهم الباقي اليوم في لبنان والعالم العربي... في زمن المال القادر على شراء الضمائر وتشويش الوعي وتكييف العقول. فالمقاربة ليست إحصائيّة، بل مسألة مبدأ: لو بقي صحافي واحد يقاوم الإغراءات باسم المناقبيّة والمبادئ، فإن شرف المهنة بخير.
لذلك، فإن ما قرأناه صباح أمس على الصفحة الأولى من جريدة «الديار»، يشعرنا بالأسى والخجل والغضب. مهما كانت الدوافع السياسيّة، أو الشخصيّة، لكاتب تلك المقالة الافتتاحيّة التي تحمل توقيع الجريدة، يصعب أن نتخيّل كيف يتمّ التجريح بإنسان فرد على الساحة العامة، أكان مجرماً أم قديساً، مواطناً عاديأً أم شخصيّة معروفة مثل المخرج التلفزيوني شربل خليل. الكلام المخيف الذي قرأناه يصعب وصفه: من الشتم المباشر بأقذع الألفاظ إلى التجريح بكرامة الرجل وسمعته والتعريض بحياته الشخصيّة... وصولاً إلى العنصريّة في أخطر مظاهرها الشعبويّة، عبر احتقار الشعوب والأعراق.
هناك قواعد ثابتة ـــــ أولها احترام المهنة بأعرافها وأصولها، احترام الخصم قبل الصديق، واحترام القارئ والرأي العام ـــــ حين تغيب تنقرض الصحافة، ونتحوّل موظّفي خدمات وعلاقات عامة، هجّائين ومدّاحين وكتبة تقارير، في جمهوريّة موز تحكمها شريعة الغاب... ومن نافل القول إن هذا السلوك المفاجئ والمخيف، لا يطمئن على أحوال البلد، ولا على أحوال الصحافة اللبنانيّة التي تتمتّع في العالم بسمعة استثنائيّة. أي إن ضحيّة هذا الهجاء المسفّ، ليس شربل خليل فقط، بل كل صحافيي لبنان على اختلاف مواقعهم وانتماءاتهم. الضحيّة هي كل قارئ سيتردد في شراء الجريدة صباح اليوم. وكل مواطن من حقّه أن يعيش في مجتمع حضاري يسود فيه الاستقرار والهدوء واحترام القيم الإنسانيّة. الضحيّة هي الديموقراطيّة التي تتعلّق بحبال الأمل في هذا البلد المعذّب.
من حقّنا جميعاً اليوم أن نطالب زملاءنا في «الديار» باعتذار فوري من هؤلاء جميعاً. ومن واجبنا أن ندعو زملاءنا إلى الدفاع عن مهنتهم وحريّتهم، قبل أن يأتي من يفرض عليهم وصايته باعتبارهم قاصرين لا يحسنون استخدام تلك الحريّة.