«كان 2009»: أربع نساء أنقذن أيامه الأولىكان ــ عثمان تزغارت
الدورة الـ62 من «كان» تدخل الآن مرحلة الإثارة. وفي انتظار أفلام لارس فون تراير وكين لوتش التي ستعرض اليوم، وبيدرو ألمودوفار وماركو بيلّوكيو (غداً)، وألان رينيه وكوينتن تارنتينو (الأربعاء)، فإنّ جردة سريعة للأفلام المعروضة حتى الآن تُبيّن أنّ سمة الدورة نسوية بامتياز. في المسابقة الرسمية، تألّقت أفلام جين كامبيون (النجمة الساطعة) وأندريا أرنولد (حوض الأسماك). أما خارج المسابقة، فاستقطبت أفلام نسائيّة عدة الأضواء، بينها «لا تلتفت» لمارينا دي فان، و«يافا» لكارين ييدايا. بينما كانت المفاجأة الأداء المبهر الذي قدّمته آبي كورنيش في فيلم جين كامبيونالمحطة الأبرز حتى الآن كانت «النجمة الساطعة» للنيوزيلندية جين كامبيون، المرأة الوحيدة التي نالت «سعفة ذهبية» في «كان» (البيانو ـــــ 1993). وقد سجّلت هذه السنة عودة مدوّية بعدما خيّبت الآمال في «كان 2003» بفيلمها Into the Cut. هذه السنة، ساد انطباع، فور عرض «النجمة الساطعة»، بأنّ كامبيون سجّلت نقاطاً أساسيّة ضدّ ثلاثة سينمائيين، هم لارس فون تراير وتارانتينو وكين لوتش الذين يسعون مثلها للحصول على «السعفة الذهبية» مرةً ثانية.
في هذا الفيلم الذي يعبق بالشجن والشاعرية، صوّرت كامبيون الشهور الأخيرة في حياة الشاعر البريطاني جون كيتس (1795 ـــــ 1821) الذي يعتبر من علامات الأدب الرومنطيقي، عبر قصة حب تراجيدية جمعته بعشيقته فاني براون. وقد اقتُبس عنوان الفيلم من قصيدة شهيرة كانت آخر ما كتبها لها قبل أن يموت بمرض السل في روما، وهو في السادسة والعشرين. حتى الآن، يمكن القول إن الممثلة آبي كورنيش التي تقمّصت دور الحبيبة في الفيلم (راجع الكادر) ستكون من الاكتشافات الكبرى هذا العام. وأجمع النقاد على أنّ العمل الذي اتّسم بلغة تشكيلية بالغة الجمال ـــــ تعطي عمقاً بصرياً لمضمونه التراجيدي ـــــ يُعدّ أفضل ما قدّمته كامبيون منذ «البيانو».
من جهتها، قدّمت البريطانية أندريا أرنولد في «حوض الأسماك» ـــــ ضمن المسابقة ـــــ عملاً آسراً اتسم برؤية إخراجية محكمة. قد لا تكون قصته جديدة، إذ تتعلق بتيمة جرى تناولها مراراً على الشاشة: تسليط الضوء على أزمة الهوية لدى مراهقة تحاول تحقيق ذاتها والانعتاق من ضغوط محيطها العائلي والاجتماعي. لكنّ الفيلم اكتسب تميّزه من لغته البصرية المختزلة ورؤيته الإخراجية المينيمالية التي حملت بصمات واضحة من المعلم التركي نوري بيلج شيلان. ضمن البرمجة الرسمية، لكن خارج المسابقة، كان اللافت شريطاً لمارينا دي فان «لا تلتفت». العمل يعدّ أول مشروع مشترك بين صوفي مارسو ومونيكا بيللوتشي، أعطى بعداً حيوياً للمهرجان الذي بدا مستغرقاً في سباته. فقد شهد الدرج الشهير للمهرجان، بسجادته الحمراء، حشداً قياسياً لدى عرض «لا تلتفت»، في دورة تتسم بالفتور، حتى لحظة كتابة هذه السطور على الأقلّ. هذا النجاح الاستعراضي الذي حقّقه الشريط بفضل نجمتيه، لا يجب أن يُنسينا أن مخرجته أبعد ما تكون عن السينما التجارية. مارينا دي فان خرجت من معطف سينما المؤلف الفرنسية، وشهدت بداياتها مع فرانسوا أوزون، ثم قدّمت عام 2002 باكورتها «في جلدي» الذي صوّر قصة حب سادية، مغرقة في الغرابة والسوداوية. في عملها الجديد، تواصل استكشاف تيماتها الأثيرة: تحوّلات الجسد والهويّات الجنسية الملتبسة، عبر كاتبة فصامية تشترك صوفي مارسو ومونيكا بيللوتشي في تقمّص الوجهين المتناقضين لشخصيتها الإشكالية.
أما الفيلم النسائي الرابع، فعُرض ضمن تظاهرة «نظرة ما» (خارج المسابقة الرسميّة، علماً بأن «الكاميرا الذهبيّة» تكافئ أحد أفلام «نظرة ما» و«أسبوعي المخرجين»). إنّه «يافا» للإسرائيلية كارين ييدايا. اكتشفنا هذه المخرجة التي تجاهر بمناهضتها للصهيونية، حين قدّمت عملها الأول «أور» وقد أحرز «الكاميرا الذهبية» (2004). ويتذكّر كثيرون نداءها إلى العالم خلال تسلّم جائزتها: «متى سيفهم الغرب أن أفضل خدمة يمكن إسداءها لنا، نحن الإسرائيليين، هي منعنا من مواصلة الاحتلال؟».
يروي الفيلم قصة حب محرّمة بين فلسطيني وإسرائيلية. ومن خلالها تكسر ييدايا الصورة المروّجة في السينما الإسرائيلية عن يافا (تحديداً أفلام عاموس غيتاي)، بوصفها الأكثر «تسامحاً واختلاطاً»، حيث يتعايش «الوافدون» الإسرائيليون مع جالية هي الأكبر في أراضي فلسطين التاريخية، من أهل المدينة الأصليين، أي فلسطينيي الـ48. تدور أحداث الشريط في ورشة تصليح سيارات تديرها إسرائيلية تدعى روفين، برفقة ابنها ماير وابنتها مالي، ويشتغل فيها فلسطينيان هما حسن وابنه توفيق، وتعاملهما صاحبة الورشة كأفراد العائلة. لكنّ قناع التسامح سرعان ما يسقط بعدما تنشأ علاقة حب محرّمة بين توفيق ومالي. هنا تعود إلى الظهور الذهنية العنصرية التي تتحكم في قطاعات واسعة من الإسرائيليين ذوي الأفكار اليسارية ممن يزعمون ظاهراً أنهم يؤيدون السلام ويعترفون بحقوق الفلسطينيين، لكنّهم في أعماقهم يتماهون مع أسطورة «النقاء العرقي» التي تنادي بها الصهيونية.