ربّ فيلم رذله جيل جاكوب فصار حدث المهرجان. Tetro هو التجربة الأكثر اكتمالاً في مسيرة صاحب «العرّاب» الذي يسيطر على أدواته، عبر رؤية إخراجية مبهرة
عثمان تزغارت
ربّ فيلم رذله جيل جاكوب فصار حدث المهرجان. Tetro هو التجربة الأكثر نضجاً واكتمالاً في مسيرة صاحب «العرّاب» الذي يحكم السيطرة على أدواته، عبر رؤية إخراجية مبهرة
حين أعلن فرانسيس فورد كوبولا أنه يعتزم تصوير فيلم ملحمي مستوحى من سيرة ثلاثة أجيال في عائلته، توقّع كثيرون أن ينجرّ صاحب Apocalypse Now نحو سقطة مدوّية على غرار العثرات المتكررة التي اشتهر بها، طوال مسيرته الحافلة بالتحوّلات التي جعلته يُلقّب بـ«نابليون السينما» حيناً، و«نيرون الفن السابع» حيناً آخر! لذا، تخوف كثيرون من أن يسبب هذا المشروع الملحمي ذو المنحى البيوغرافي سقطة جديدة تقضي نهائياً على أحلام كوبولا بالعودة إلى واجهة السينما العالمية. وقد تزايدت هذه المخاوف حين أُعلن برنامج هذه الدورة من «مهرجان كان»، واتّضح أن الفيلم الجديد لصاحب «العرّاب» لم يُقبل في المسابقة الرسمية، ما أثار حفيظة كوبولا، فقرّر عرضه في افتتاح «أسبوعي المخرجين» التي أُطلقت قبل ربع قرن كتظاهرة موازية للمهرجان ثم تحوّلت إلى «ضرّة» تنافس البرمجة الرسمية.
اعتقد بعضهم أن استبعاد الشريط يعني أنه غير ناجح. بينما رجّح آخرون أن السبب يعود إلى تدهور العلاقة بين كوبولا ورئيس المهرجان جيل جاكوب. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده على هامش عرض «تيترو» في «أسبوعي المخرجين»، لم يعلّق كوبولا على ما رُوِّج عن خلافه مع جاكوب. قال إنّه رشّح الفيلم للمسابقة، لكنّ إدارة المهرجان اقترحت تقديمه في عرض خاص خارج المسابقة، ما دفعه إلى سحبه، وعرضه في «أسبوعي المخرجين» «نوعاً من التحدي» كي يُتاح لرواد المهرجان مقارنة عمله بالأفلام التي قُبلت في المسابقة الرسمية. وقد كان كوبولا محقّاً. إذ أجمع كل من شاهد الفيلم على أنّه يعد الأكثر نضجاً واكتمالاً في مسيرته. وهو هنا لا يتحدى إدارة «مهرجان كان» فحسب، بل يكسر كل المعايير التي تتحكم في الأوساط السينمائية العالمية، وفي مقدّمها الاستوديوات الهوليودية التي تربطه بها عداوة متجذّرة منذ نصف قرن.
في Tetro، يستعرض كوبولا وقائع بيوغرافية في حياة عائلته، ومنها العداوة التي اتسمت بها علاقة والده بعمّه تيترو الذي يحمل الفيلم اسمه. وكان عمّه «عرّاب» العائلة قد فتح أمامها فرصة الهجرة إلى أميركا. وكان طريفاً أنّ كوبولا ـــــ حين سُئل عن تشابه بعض أجواء عمله البيوغرافي مع عوالم ثلاثيته المافياوية «العرّاب» ـــــ أجاب ضاحكاً: «حين أنجزت «العرّاب»، لم أحتج إلى مقابلة أي قادة عصابات، بل استوحيت الشخصيات من عمّي تيترو وإخوته».
يسلّط كوبولا الضوء في عمله على جوانب خفية في صلاته بوالده الذي كان عازفاً شهيراً في «أوركسترا نيويورك السيمفونية» وورث عنه كوبولا أناه الفنية المنتفخة، إذ لم يتقبّل كارمين كوبولا فكرة دخول ابنه فرانسيس الوسط الفني، وظل يكرر حتى وفاته أن «العائلة لا تتسع سوى لعبقرية فنية واحدة»! لكن الأهم في «تيترو» ـــــ ككلّ أفلام كوبولا ـــــ تلك اللغة البصرية الساحرة والرؤية الإخراجية المبهرة. ويقول كوبولا إنه استطاع أن ينجز هذا الفيلم مستقلاً عن أي ضغوط، لأنه موّله (20 مليون دولار) من عائدات النبيذ الذي يحمل اسمه، والذي تفرّغ للاعتناء به طوال عشر سنوات، ما سمح له بأن يقدم شريطاً يحوي خلاصة رؤاه الفنية وتصوّره لما يجب أن تكون عليه السينما في عالمنا المتحول.
والمذهل أن كوبولا جرّب مرارة الفشل سنة 1984، بسبب إصراره على تصوير فيلمه Rusty James بالأبيض والأسود، ما جعل الجمهور يعزف عن مشاهدته. وبسبب تلك السقطة، ظل مديوناً طيلة 15 سنة. لكنّ ذلك لم يمنعه من معاودة الكرة، حيث صوّر «تيترو» بالأبيض والأسود أيضاً! وقال خلال مؤتمره الصحافي: «قنوات التلفزيون التجارية هي التي تضغط على شركات الإنتاج لعدم تصوير أفلام بالأبيض والأسود. والشركات المنتجة، بما فيها الاستوديوات الهوليودية الكبرى ترضخ لهذه الديكتاتورية التلفزيونية. أما أنا، فلا يهمّني شبّاك التذاكر. في سنّي، لم أعد في حاجة إلى الكسب المادي. أنا سعيد وسط كرومي وأقبية نبيذي»!