«إذاعة كلنا سوا (بدون تردّد)»، أسطوانة جديدة للفرقة السورية على طريقة الروك الثوري. تغرف مادتها من زلزال 11 سبتمبر، لتقدّم موسيقى شعبية وساخرة

أحمد الزعتري
بدأت القصّة في تمّوز (يوليو) 2004 على متن طائرة متجهة من ديترويت إلى لوس أنجلس. آني جيكسبين صحافية على متن الرحلة، تتوجّس من أعضاء فرقة موسيقيّة ذوي سحنة شرق أوسطيّة، «يلوّحون لبعضهم (...) وقائدهم يرتدي نظّارات شمسيّة». تبلغ جيكسبين السلطات بأن هؤلاء يخطّطون لخطف الطائرة، فيتم احتجازهم قبل إطلاق سراحهم بعد التأكّد من أنهم «لا يشكلون خطراً». تكتب الصحافية عن هذه التجربة، قائلةً: «إذا تمكن 19 إرهابياً من تعلم الطيران، أليس بمقدور 14 إرهابياً تعلم العزف؟». لم يكن ذلك الشرق أوسطيّ بالنظارات سوى المغنّي السوري نور مهنّا وأعضاء فرقته الذين كانوا في طريقهم لإحياء حفلتين في سان دييغو. خلال تلك الحادثة، كان أعضاء فرقة «كلنا سوا» في دمشق يحضّرون لجولة في أميركا بدعوة من «الأكاديميّة الملكيّة الدوليّة للعلوم» ضمن برنامج «الثقافة من أجل السلام»، فانهالت عليهم الاستفسارات حول شائعة «محاولة خطف الطائرة» التي نُسبت إليهم.
لن تمرّ التجربة مرور الكرام على الفرقة السوريّة التي تأسست في 1995. سيجد إياد الريماوي وأيهم العاني (غيتار، غناء)، بشار موسى وسونيا بيطار (غناء)، حازم العاني ومروان نخلة (بيانو وكيبورد)، رافل حفّار (باص، غيتار)، نزار عمران ونادر عيسى (نحاسيات)، سيمون مريش وناصر حمدي (إيقاع)، في تلك الحادثة منجماً من الأفكار: العالم بعد 11 أيلول (سبتمبر) بشكله الجديد المشوّه وغير القابل للفهم. العراق، لبنان، غزّة، الحياة في دمشق، جورج بوش (أصبح اسمه عبد العظيم)، منتظر الزيدي، و«الإرهاب» كما في أغنية «أنا إرهابي»: «أنا إرهابي لكن طيب/ بعزفلك قبل ما تموت/ سماع آخر لحن بحياتك وحتسافر معنا مبسوط».
قد تكون أسطوانة «إذاعة كلنا سوا (بدون تردّد)» أول تجربة عربيّة تعتمد مفهوم Concept Album. هذا الأسلوب القائم على فكرة واحدة، كان رائجاً في الستينيّات والسبعينيّات ضمن توقّد حركات الروك الثوريّة (أشهر أعمال الحقبة Animal لـ«بينك فلويد» عام 1977 المقتبسة عن رواية Animal Farm لجورج أورويل).
تضم الأسطوانة 18 أغنية تربطها فواصل إعلانيّة في إذاعة افتراضيّة. نسمع في البداية ترحيباً بالمستمعين، ثم عراقيّة تطلب أغنية لحبيبها المهاجر، ومتصلاً من غزّة يترك سماعة التلفون لهدير البحر، ومراسلاً ينقل سقوط بغداد في أغنية «وصلوا العسكر» على صدى خطاب جورج بوش مبرّراً احتلال العراق. يسخر كاتب ومؤدي الأغنية إياد الريماوي من هذا الخطاب: «وصلوا العسكر غني يا أمي ورشّي ورد وغار/ ع لي جابوا معهن الحرية من بلد الأحرار/ لا تقولي هدموا بيوت/ لا تقولي قتلوا بشر».
في أعمالها السابقة، «سفينة نوح» (1998)، «شي جديد» (1999)، «كلنا سوا» (2001)، «موزاييك» (2004)، توزّعت اهتمامات الفرقة بين الكلاسيك والفنك روك، والفولك، والسول وإعادة توزيع الأغاني التراثيّة، ما جعلها غير قايلة للتصنيف ضمن خط موسيقي واضح. إلا أن ما يحسب لـ «كلنا سوا» هو حيويّة ألحانها، وابتعادها عن تملّق الموسيقى السائدة رغم تقشّف الأصوات ورتابتها أحياناً. في هذه الأسطوانة، لا تضيف الفرقة جديداً على الروك والفولك، بل تتابع اشتغالها على هذا النوع المستهلك في الغرب، إنما من زاوية حديثة على الأذن الشرقيّة. تقدّم نفسها على أنها «الردّ السوري على فرقة U2 الإيرلنديّة».
كتب معظم كلمات الألبوم الريماوي والعاني، في قافية يمكن أن تقترح السخرية، ويمكن لها أيضاً تسطيح الفكرة. وجاءت مشاركة الكاتب السوري الشاب عدنان عودة في العمل، لتضيف تلك اللمسة الشعريّة الشفّافة.
تأتي الأسطوانة جادّة وانتحارية في زمن الاحتكار. المشكلة ليست في فرق مثل «كلنا سوا» بل في شركات الإنتاج التي وسّعت الهوّة بين الأعمال النخبويّة والشعبيّة، إذ تقع أسطوانة «إذاعة كلنا سوا (بدون تردّد)» في مصاف الفنّ الشعبي الحقيقي، ذلك الفن الذي أعطانا أمثال بوب ديلان وإديت بياف.