أحمد الزعتري ماذا سيقول اليوم، ذاك الذي حضر حفلة بوب ديلان في مانشستر (بريطانيا) عام 1966 وصرخ به: «يهوذا»؟ ذلك الرجل الذي شعر بالاستفزاز من صوت الغيتار الكهربائي الجديد على الأذن الغربيّة، استفزّ ديلان ليصرخ بدوره بالفرقة «اعزفوا بصوت عالٍ»، وبدأ يغني عمله الأشهر Like a Rolling Stone. اليوم، وبعد 43 عاماً من تلك الحادثة التي جعلت من ديلان «خائناً» للأنواع الموسيقيّة السائدة آنذاك، يطلق الموسيقي والشاعر والتشكيلي أسطوانته الجديدة Together Through Life. غير معنيّ بفهم العالم أو حتى بمقاومته، يقدّم ديلان هنا عشر أغانٍ عن قصص الحب، على أنغام موسيقى لن تخطئها آذاننا أبداً: الفولك والبلوز وموسيقى ما قبل الروك. كأنّ العالم توقّف في الستينيّات.
آنذاك، كان بوب ديلان بطلاً شعبيّاً في أوساط الحركات المدنيّة، وأصبحت أغانٍ مثل Blowin' in The Wind وThe Times They Are a-Changin أناشيد شبه رسميّة للمقاومة الشعبية ضد حرب فيتنام، ورأس حربة في المطالبة بالعدالة الاجتماعية والقانونية بين العرقين الأسود والأبيض. كما لعب ديلان دوراً رياديّاً في ظهور الروك، وفي إعادة الاعتبار إلى البلوز الذي أوشك أن ينتهي مع فترة ركود الجاز. وكان لأنامله أثر لا يمحى على موسيقى الفولك الواعية والمثقلة بالهمّ اليوميّ، وأحياناً بالرموز الثقافيّة كما في أغنيته Desolation Row التي قدّم فيها رؤيته السرياليّة إلى الثقافة الغربيّة عبر آينشتاين وإزرا باوند وإليوت وقايين وهابيل وسندريللا.
ولد روبرت آلن زيمرمان عام 1941 في مينيسوتا، لمهاجر يهودي من أوكرانيا وأم من أصول كرديّة (اعتنق المسيحيّة لاحقاً). تعرّف في أوائل الستينيّات على شعراء جيل الـBeat في نيويورك، وتأثر بهم لاحقاً معطياً صبغة شعرية لكلمات أغانيه بعدما صار اسمه بوب ديلان. التقى بالمغنية جوان بايز التي أدّت أغانيه، ودعته ليغني معها على المسرح، فاشتعلت شهرته، وخصوصاً بعدما تطعّمت تجربته بالهمّ السياسيّ. وقف ضد الحرب على فيتنام، ضد أزمة الصواريخ الكوبيّة، وضد استعمال السلاح النووي، وإلى جانب منح السود حقوقهم. نذر ديلان أعماله للقضايا السياسية والاجتماعية هذه وغيرها، وبعد اغتيال كنيدي قال «هناك جزء مني ومن كل رجل في أوزوالد (قاتل كينيدي)».
قد لا يعتبر ديلان موسيقيّاً كبيراً من ناحية التأليف، كما لا يعتبر صوته صوتاً خارقاً... لكنه مدرسة خاصة في الأغنية الغربيّة. تلقّف الأنواع الموسيقيّة الدارجة في البداية، وأضاف إليها إيقاعاً خاصاً لا ينتمي إليها، كما يعتبر أول من أضاف الغيتار الكهربائي إلى موسيقى الكنتري والفولك. وها هو في أسطوانته الجديدة، يثأر لمحبي الموسيقى الحقيقيّة في مواجهة «يهوذات» الموسيقى الحاليّة.