محمد عبد الرحمن«من ملفّات المخابرات العامة المصرية». لطالما تصدّرت هذه العبارة «تترات» جميع المسلسلات المصرية التي دارت في كواليس الصراع الاستخباراتي بين مصر وإسرائيل، فلا يمكن أن يبدأ تصوير عمل في هذا الاتجاه من دون موافقة الاستخبارات المصرية ومن دون أن يكون العمل مستوحى بالفعل من قصة حقيقيّة ترسّخ تفوقاً استخباراتياً مصرياً على الموساد الإسرائيلي، وخصوصاً في مرحلة ما قبل حرب أكتوبر 1973. لهذا، فإنّ تجميد مشروع فيلم «أولاد العم» بعد انتهاء المخرج شريف عرفة من تصوير نصف مشاهده بين القاهرة وجنوب أفريقيا، فتح بوابةً للعديد من التساؤلات. إذ إنّ الأزمة هي الأولى التي يتعرض لها شريط مصري بهذا الشكل: الفيلم حاز موافقة الرقابة كنص مكتوب، وبدأ التصوير في سرية تامة مع تعمد صنّاع العمل تسريب قصص مغلوطة عن المضمون والابتعاد به تماماً عن الخط الاستخباراتي. لكنّ السرية لم تصمد طويلاً وكشفت الصحف مضمون العمل الذي يدور حول زرع الموساد عميلاً إسرائيلياً داخل مصر (شريف منير) يعيش بين الناس باعتباره مصرياً ويتزوج مصرية (منى زكي) تصحو في أحد الأيام لتفاجأ بأنّ زوجها قد عاد بها إلى تل أبيب بعد انتهاء مهمته ويريد استكمال حياته معها بعدما ارتبط بها عاطفياً. هكذا، ترسل الاستخبارات المصرية ضابط مهمات خاصة (كريم عبد العزيز) إلى تل أبيب في مهمة استعادة المواطنة المصرية التي ترفض الإقامة في إسرائيل.
الفيلم على مستوى الفكرة جديد للغاية ومشوق للجمهور. لكن هذا الأمر لم يعجب جهات سيادية، في إشارة إلى جهاز الاستخبارات، الذي تمسك بحقّه في الاطلاع على المشروع قبل تنفيذه. ويبدو أن صنّاع العمل اعتمدوا على موافقة الرقابة فقط لتمرير المشروع، بينما يعرف الجميع ضرورة العودة إلى الجهات المعنية في هذه القضايا الحساسة. فالتعامل مع الشريط باعتباره عملاً فنياً متخيلاً عن الصراع الاستخباراتي بين البلدين لا يعني تمرير أي فكرة من دون التفكير فيها على مهل واستشارة أصحاب الرأي الأخير، أي جهاز الاستخبارات المصرية. إذ إنّ القصة هي صورة معكوسة لقصّة الجاسوس المصري الشهير رأفت الهجان، أي أنّ الفيلم يقول للجمهور إنّ الموساد نجح في ردّ الضربة حتى لو كانت القصة متخيّلة. كذلك فرؤية الجمهور لضغوط الزوج ـــــ وهم يعرفون أنه إسرائيلي ـــــ على الزوجة المصرية، قد تثير تحفظات يجب تداركها من البداية قبل السماح بالعرض العام. حتى الآن، ما زال المشروع مجمداً حيث كان يُفترض استكمال التصوير في دمشق ثم العودة لإنهاء الفيلم في القاهرة. ونتيجة إصابة كريم عبد العزيز أثناء التصوير، خرج الفيلم من سباق موسم الصيف، لكن استياء الجهات السيادية من المشروع ككل وطلب مراجعته أولاً قد يعطل الفيلم إلى أجل غير مسمى.